أنت مختلف؟ لا يعني أنك أفضل
عندما يقرر ابن الناس أن يدرس تخصصًا تقليدي، ويقرر بعد تخرّجه أن يبحث عن عمل في شركة أو جهة حكومية ما، ثم يبدأ الحديث مع والدته بخصوص زوجة المستقبل، ثم يتزوج، ويبدأ بالشروع بعدها في الحديث مع زوجته عن حلمهم المشترك في بيت العمر، ثم تمر السنوات، ينجبون الأطفال وتسير حياتهم حتى مرحلة التقاعد. ثم يموتون.
هل هناك شيء خاطئ في هذه القصة؟
نعم يوجد.
الأمر الخاطئ هنا قناعة الشخص المختلف بأن ابن الناس يجب أن يكون مثله.. مختلف.
أصحاب الحياة المفعمة بالتحديات والمغامرات أو بعضًا من ريادي الأعمال من الشباب، أو الرحّالين أو من قرروا عدم الزواج أو عدم الانجاب أو النباتيين، أو الفنانين المسخَّرين تمامًا لفنونهم، أو كل من يعتقد أن حياته مميزة بشكلٍ ما عن غيره باختلافها، عرضة لهذا الفخ.
ابن الناس الذي قرر أن يعيش حياته العادية قد لا يواجه اعتراضًا مِمْن حوله، فحياته عقلانية مباشرة تليق بقدراته ومدعومة بمن حوله. بينما قد يحارب المختلف كل شيء وكل من حوله فقط لاعتقاده أنه إنسان مختلف.
يتمسك المختلف بقناعته التي تخبره أن سيكون أفضل من غيره في المستقبل، ويحارب بضراوة من حوله ليقبلوا اختلافه. هو سلوك مُرهق طبعًآ.
«عندما تكون هناك أسباب خلف رأيٍ ما» يعلّق برنارد راسل (١٩٢٨م) «يكون الناس راضين عن طرحها وانتظارها حتى تُثبت نفسها. في مثل هذه الحالات، لا يتمسك الناس بآرائهم بشغف؛ يحتفظون بها بهدوء ويوضحون أسبابهم بهدوء».
وعلى العكس: «الآراء التي يتم تبنيها بشغف هي دائمًا تلك الآراء التي لا توجد لها أرضية جيدة؛ في الواقع. الشغف هو مقياس لافتقار العقلانية.»
تتحول القناعات الحادة والمغايرة إلى شغف، وقد يتحول هذا الشغف إلى نمط حياة يحاول الإنسان جاهدًا التمسّك به والمحاربة من أجله. سبب هذا التمسك وهذه الحرب (كما يعتقد راسل) هو عدم وجود أرضية عقلانية تدعمها. تمامًا مثل ما كنّا نتمسّك بآراء دينية قديمة لا قيمة لها. تمامًا مثلما نتمسك بعشيقاتنا المكروهات ممن حولنا. تمامًا عندما ندافع أمام والدينا بصرامة عن مجال عملنا التقني الذي لا يعطينا أي دخل مادي على المدى القصير.
نتحول مع تشوّش العقل إلى مدافعين مستميتين. وليس مدافعين عقلانيين.
وكلما أصاب العقل بعضًا من الضبابية، كلما تحول حالنا إلى ضراوة أكبر. وعندما يكون الإنسان مختلفًا فهو مختلف فقط وليس بالضرورة إنسان أفضل أو أسعد.
بعيدًا عن نمط الحياة، يظهر هذا الأمر جليًا في الأمور الأكثر تعقيدًا؛ مثل أسواق المال.
كتب الاقتصادي المخضرم والمعروف «جيسون زويج» مقالته على صحيفة «الوول ستريت جورنال» التي يحذّر فيها بعضًا من الجوانب السلبية في الاستثمار في عملة «البتكوين»، ليستلم صباح اليوم التالي عشرات الرسائل التي وصفته بالجاهل، والأحمق، والكاتب السيء، وغيرها الكثير من الأوصاف.
يعتقد «زويج» أن تحرّك البشر شديد العداوة ضد من يختلف عنه نابعًا من عدم وضوح معالم المستقبل لهم، فالواثق من دربه عمومًا لا يهتز بضجيج الآخرين.
«الغضب الخام، والعنف الموجه للمشككين، غالبًا ما يكون هو المرحلة الأخيرة قبل الانفجار [يشير إلى الفقاعات المالية]» آخذًا هذا الرأي من كتاب «أوهام الحشود: لماذا يصاب الناس بالجنون في المجموعات» للمؤرخ ويليام برينستاين.
ويعتقد أيضًا أن العداوة إن حدثت ضد المختلفين هي نابعة من شعور أصيل وواضح بعدم الإحساس بالأمان، وقبلها عدم وجود المعرفة الكافية، فمستثمر البيتكوين لا يريد أن يسمع في يومٍ ما أن استثماراته قد خسرت، ولا يريد المغامر والمختلف أن يكتشف في نهاية المطاف أن ابن عمه الإنسان العادي يعيش حياة مستقرة وهادئة وسعيدة، في وقت معاناته. فيستبدل النقاش العقلاني مع من حوله بحرب دفاعية أو هجومية يعزز فيها خياراته ونمط حياته. ويحارب أي محاولات اختلاف من صوت الضمير لحماية «الأنا» التي كشفها للآخرين.
يرتبط إحساس عدم الأمان دومًا بعدم المعرفة. فيخفض صوت المسجّل من يدخل بسيارته إلى حارة مظلمة لأنه لا يعرف ماذا سيجابه.
صوت المسجّل يحاكي صوت القلب على العقل. فأنا أعرف كل تضاريس حارتي ومعظم الجيران، ولذلك لا أقوم بخفض صوت المسجل عندما أعود إلى منزل آخر الليل.
أنا أعلم إنني لو اخترت تخصصًا معروف وادخرت مالي واخترت ابنة الحلال التي تتواكب مع طِباع أهلي فإن حياتي ستكون (على الأقل كما أتوقع منها) ليست سهلة.. لكن أسهل.
القرارات والحياة المختلفة والتي يحارب فيها الإنسان من حوله باسم الشغف والتي لا يعرف ما سيواجهه فيها، قد تكون مثل ذلك الرجل عندما يدخل الحي بسيارته رافعًا صوت المسجل، ويتوقف أمام أحد سكان الحي ينزل إليه ويسأله عن البيت الذي أتى إلى زيارته وصوت المسجل خلفه في السيارة يصدع عاليًا، لا هو يستطيع سماع ما يقوله الرجل ولا هو مستمتع بالأغنية. ولا هو بهذه الفوضى قد يصل إلى وجهته.
الاختلاف – حتى الجذري منه – يظل من حق أي إنسان، إلا أن المعرفة والتعقل والاستزادة من حكمة الاخرين يجب أن يتوازى ليكون بنفس الحق كي يعيش الإنسان حياة كريمة.
استيعاب الإنسان العادي لحياته ومعرفته التامة بكل جوانبها قد تزيده قناعة بها، وتجعل منه أكثر هدوءً، وأكثر قيمة لمن حوله من أقرانه الذين جعلوا من أنفسهم مختلفين؛ مختلفين من أجل الاختلاف أحيانًا أكثر من محاولة البحث عن السكينة. أو كما يشرح الكاتب سكوت بيركن: «إن كسب ثروة شخصية هائلة أو تحوّلك إلى نجمًا رياضيًا لا يجعلك شخصًا جيدًا بالضرورة، خاصةً إذا كان نجاحك على حساب الآخرين. هناك العديد من الأمثلة على الإنجازات المفرطة الذين كانوا فظيعين لعائلاتهم وأصدقائهم، حيث أن هوسهم بأن يصبحوا مختلفين أعماهم بسبب قوتهم المختلطة بنرجسيتهم. بالنسبة للآخرين، من الأفضل أن تكون متواضعًا في فعل الأشياء الصحيحة بدلاً من أن تكون استثنائيًا في فعل الأشياء الخاطئة. لا بأس أن تكون عاديًا إذا كنت تستخدم (حالك العادي) للأفضل».
مهما كُنت مختلفَا، تذكر دائمًا أنك تحتاج لتُنصت للعاديين حولك. وتذكّر أن الاختلاف المتطرف لا يدوم، ستصل في يوم من الأيام لأن تكون عاديًا، على الأقل في مقاييسك.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.