التنفيس بالكتابة؟
أسمع عن عدة مصطلحات ظهرت مؤخرًا، ولا أملك بصراحة أي إلمام بها، وذلك لجهلي، وعيبٌ أصابني من نقص في الفضول، من هذه المصطلحات: الكتابة العلاجية (وأخرى.. القراءة العلاجية). وتذكّرت أثناء كتابتي لهذه السطور إنني قرأت هذا المصطلح أخيرًا لدى صديقي وأخي العزيز حاتم الشهري، والذي يُشرف على إعطاء ورش عمل عن «الكتابة العلاجية»، والتي بلا شك، سأحرص على حضور إحداها عمّا قريب، استدراكًا للفضول.
يؤسفني إنني لم أُمارس في حياتي الكتابة كسلوك تنفيسي بالمعنى المرتبط بالعلاج، فهي بالنسبة لي «وسيلة» أقوم من خلاله بالتعبير المنتظم عن الأفكار والمشاعر، والأخيرة هي الغاية. ولا أعرف حتى اليوم لما اخترت أن يكون لي غاية ووسيلة متعلّقة بالكتابة، ولما اخترت أن أُقحِم المخلصين من قرّاء الأدب الرفيع والثقافة عالمي. حقيقة لا أعرف! ربما سأكتشف ذلك عمّا قريب، ووقتها سأشارك هذا الاكتشاف العظيم قارئي المخلص.
الأمر الاخر أن سبب ممارستي المنتظمة – غير المعلن – إنني ببساطة أجدها وظيفتي أو بالأحرى مهمّتي اليومية، ولا أعلم لماذا اخترت أن تكون مهمّتي اليومية! سمعت أحدهم يقول في يومٍ من الأيام أن نصيحة «اتبع شغفك» التي يقولها الكثير من رجال الأعمال الأثرياء، لا تخرج عن كونها نصيحة معلّبة، جاهزة، تُعطى كوصفة طبية مختصرة لكل من يبحث عن علاج لطموحاته التي لم تتحقق. حتى وإن كان صاحب النصيحة نفسه في الحقيقة لا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بشغفه؛ فهو في المقابل لا يستطيع أن يقول: «نجحت لأن الحظ بتجرّد، كان قد حالفني» أو «نجحت لأنني كُنت أعمل ستة عشر ساعة يوميًا»، ولذا يُريحون أنفسهم بالاختصار ليكتفوا بجملة: اتبع شغفك، لينتقلوا إلى سؤالٍ آخر.
في حالتي البائسة.. لا خيار لي في الاستمرار والترك. ومثل أي أمرٍ في الحياة.. كلما أخذته بجدية أكبر كلما أخذتك هي بجدية أكبر في مردودها، ولأنني لا أملك الخيار، فقررت أن يكون الأمر جديًا على كل حال. أقصد الكتابة اليومية!
لا أحاول ممارسة أي طقوس نفسية مع الكتابة (والنشر اليومي). بل أحاول التأكد بيني وبين نفسي من وجود عضلة الانضباط والعمل والإنتاج غير المتوقف. قد تكون إحدى «تعريفات الوظيفة» هي:
تأديتك لعمل مكرر ومستمر كل يوم، بغض النظر عن نفسيتك ومزاجك العام.
لا يروق هذا الأمر الكثيرين، طبعًا، إلا أنه هو الحال السائد لدى معظم سكان الأرض مع وظائفهم.
لاحظت مؤخرًا نقصًا حاد مفاجئ في عدد المشتركين في مدونتي، والسبب، ربما، هو انزعاجهم اليومي من استقبال المقالات، وبعد جلسة صفاء ومراجعة حسابات، قررت أن المهمة الأسمى هي الاستمرار (ليس بالضرورة إرسال المقالات اليومية، بل على الأقل الكتابة – دون نشر – بشكلٍ يومي). ولا زلت أُكرر على نفسي بعد كل هذه السنين سؤال: لماذا اخترت هذا الأمر؟ أعني، الكتابة يوميًا بغض النظر عن المزاج! وبالطبع لا إجابة لسؤال فلسفي لا فائدة من الإجابة عليه.
ربما أميل لفكرة الاستمرار في العمل وسط فوضى التشتت العاطفي والذهني الذي أصاب سكان الأرض، ومصارعة الإعلام الذي يقتنص كل خُرم ابرة ليرسل رسائله التي تضُر ولا تنفع.
ومعها سيظل الإنسان مثلي مكتفيًا وفخورًا ومحبًا لمن أعطاه جزءً من الانتباه.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.