تخطى الى المحتوى

الجنون والأحلام

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

يعلق د. علي الوردي في مطلع كتابه (الأحلام بين العلم والعقيدة) على حالة الإنسان ومعيشته بجنونه في أحلامه: «يذكرني هذا الرأي [رأي فرويد في تهريب الإنسان لجنونه من خلال أحلامه] بقول أحد الزُهاد المسلمين. فقد شوهد هذا الزاهد ذات يوم وهو يشكر ربه كثيراً. فلما سئُل في ذلك أجاب: بأنه استطاع أن يقترف جميع الموبقات والذنوب الكبيرة عند النوم دون أن يحاسبه الله عليها، فهو يزني ويسكر وينهب الأموال وينتقم من أعدائه، ثم يستيقظ فيجد صفحته بيضاء لا دنس فيها. وهو يحمد ربه على هذه النعمة التي منحه إياها بلا ثمن».

ويضيف في موقع آخر عن راحة المجنون في هذه الدنيا: «أكثر الناس راحة في هذه الدنيا هو المجنون، إذ هو يعيش في حلم مستديم، إنه يصور الدنيا كما يشتهي، فإذا وجد الناس حوله لا يفهمونه، ولا يستجيبون له أنحى عليهم باللائمة وعّد نفسه العاقل الوحيد دون الناس.»

ويقول عن حالة العاقل الواعي: «أما العاقل فمصيبته أنه يشعر بوجود الناس من حوله، ويتأثر بالرقابة الخفية المفروضة عليه منهم. وهو لا يندفع في تيار رغباته وأفكاره الخاصة مخافة أن يضحك الناس عليه أو يعاقبونه. إن الرقابة الاجتماعية تمنعه من القيام بأي عمل لا ترتضيه منه. ولهذا فهو يلجأ إلى الأحلام ليخلق بها الدنيا التي يشتهيها، قليلاً أو كثيراً. ومن هنا جاء قول القائل: كل إنسان مجنون في منامه»*.

تعقيباً، أستشهد دوماً بقول الشاعر في مواضع أخرى عن أصحاب العقول: «ذو العقل يشقى بالنعيم في عقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ»، لأن الإنسان عندما يقرن حريته بالتفكير مع وعي مصاحب لعقل يدرك كل شيء حوله، فإنه دائماً ما يضطر أن يعيش بنعيم مزعوم داخل عقله بعيداً عن الأخرين، وتجد هذا الأمر يقود أحياناً الأشخاص حتى الاجتماعيين منهم، إلى الانعزال عن الآخرين آخذاً آراءه وأفكاره التي – ربما – يجد أن حلها الجذري بأن يعيش بها ومعها خارج إطار عالمه. فتجد الآنسة المنفتحة (المجنونة أمام مجتمعها المنغلق) شديدة التعلق بوحدتها وغرفتها … وأحياناً بدائرتها الضيقة من الأصدقاء. لتنفجر مع جنونها عند أول فرصة واقعية بعيداً عن الأحلام.

وتجد الرجل الشرقي في حالته كثير الهروب لخارج مجتمعه الذي يفرض تلك الوصايا عليه، حتى وإن لم تكن ضمن الموبقات!

كنت أتساءل عندما اطلعت على كلام الوردي؛ هل بالفعل تصبح الحياة الأفضل للفرد الحالم، هي في منامه (أو أحلامه) أو بعيداً عن دائرته الضيقة؟

ماذا لو أراد أن يعيش أحلامه وجنونه، مع أبناء دائرته؟

الإجابة أكبر مما حاولت أن أستوعبها، فحتى ذلك الوقت الذي أصل فيه للإجابة، سيكون مفهوم «الحياتين» داخل كل إنسان هي الحل المؤقت والموجود بطبيعة الحال. فحياة يرتضيها الآخرين، وجنون أو أحلام أو حياة أخرى في عالم آخر. كلها داخل ذلك الإنسان الضعيف!


* علي الوردي، الأحلام بين العلم والعقيدة، ص.١٠٠

سيكلوجيا الإنسانكُتب واختيارات للقراءة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)

مقدّمة: إن كُنت أحد سكّان مدينة جدة، أدعوك لحضور أمسية ثقافية يوم الاثنين (٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م) بعنوان «الشعور بالانتماء ضرورة أم رفاهية؟». رابط التسجيل هنا. تنورونا. ننتقل إلى ملفّات القراء.. السلام عليكم، أشكرك أخي أحمد على إتاحة الفرصة لي، سؤالي كم ساعة تقرأ باليوم، وهل تقرأ كتاب

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)
للأعضاء عام

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست

الكتابة (من ناحية تسويقية) لا يجب أن تميل مع ميل صاحبها للموضوعات التي يُحبها. كان هذه ثمرة عدة نقاشات متفرّقة مع أصدقاء عزيزين هذا الشهر. طبعًا أختلف! سوف يكون التطبيق العملي لهذا الاختلاف عدم كتابة مثل هذه المقالة التي تحمل اقتراحات خاصة مختلفة ومتنوعة. على كل حال

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟