تخطى الى المحتوى

ما تعلمته من كيم كارديشيان ولم أتعلمه من الكُتب

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
ما تعلمته من كيم كارديشيان ولم أتعلمه من الكُتب
Photo by Miguel Ángel Hernández on Unsplash

«أشعر أنني غير مرتاح لهذا الإنسان.. ربما عليَ معرفته عن كثب..»

– إبراهام لينكولن

سأبدأ بهذه الأسئلة:

  • من هو أكثر شخص متابعة على الانستجرام في العالم؟

كريستيانو رونالدو.

  • لو قرر رونالدو أن يحذف حسابه اليوم بكل متابعيه، هل سيتوقف معجبيه عن مشاهدة مبارياته؟ أو هل ستختفي إحدى ألقابه (أفضل لاعب في العالم أو لقب كأس دوري الأبطال مثلًا)؟

لا.. لا.

  • هل سينقص راتبه؟

لا.. لكن ربما ينقص دخله قليلًا بسبب إعلانات السوشل ميديا (إن وجدت).

  • هل إنجازات وتأثير كلًا من رونالدو، آريانا جرانيد، وداوني جونسون كانت من خلال التواصل الاجتماعي أم من خلال أعمالهم خارج التواصل الاجتماعي؟

من خلال أعمالهم خارج التواصل الاجتماعي.

لنتحدث الآن عن كيم كارديشيان..

كما يعرف الجميع، على مدار أكثر من عشرة سنوات كانت تحتل كيم وأخواتها جزءً كبير من الشهرة في برامج «الرياليتي شو» ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت أيقونة الشهرة (والتفاهة بالنسبة للبعض). كل ذلك من دون وجود موهبة حقيقية ملموسة، ربما بعض الفضائح والكثير من الاستعراضات. أصبح يُضرب بها وبأخواتها المثل في الاختيارات غير الموفقة للأشخاص ذوي المناصب.

«لو اخترت إحدى الكارديشيانز لهذا المنصب، ستقوم بعمل أفضل من فلان» كما وصف – فيما معناه – الاقتصادي المعروف تيلور كوين تهكمه على تعيين الشخص الخاطئ في المكان الخاطئ في إحدى مقالاته.

السمة الكبرى لمعظم مشاهير التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا والمجتمعات الأجنبية هي بأن النجاحات التي تحدث خلالها مصابة بنوع من الكسر (أو الخرخرة كما نقول بالحجازية). فتجد المشهورة لدينا لا تمانع أبدًا بأن تقدم حزمة تضحيات من أجل الحصول على دخل من خلال عملها يوفر لها حياة كريمة نسبيًا، ولا أجد أي عيب جذري سوى بعض التحفظات الشخصية في آلية العمل وجلب الإعلانات.

أقصد بدقة بأن المشهور كلما زادت شهرته فهذا لا يعني ازدياد رصيده في البنك.

والأمر الاخر هو بأن النجاحات في هذا العالم شديدة التذبذب، فيزداد حجم الاهتمام والإقبال وينخفض من فترة لأخرى، وإن قرر المشهور التوقف عن عمله لفترة طويلة نسبيًا فقد يعني تهديدًا مباشر بالخروج من اللعبة، شأنه شأن الكثير من الفنون.

هل تتذكرون روبي ومروى؟ منى عبدالغني؟ حكيم؟ وعلي عبدالكريم؟

لكن إن اطلعت على سيرة كيم كارديشيان تحديدًا فالأمر مختلف تمامًا. هي مشهورة لأنها فنانة «ريالتي شو» وهي مشهورة لأنها تزوجت «كنايا ويست»، وهي مشهورة أيضًا لأن أختها «كيلي جينر» أصبحت من أهم رموز عالم الجمال. وتضاعفت شهرتها لأنها أصبحت أم لأربعة أبناء!

تزداد شهرتها ويزداد رصيدها مع الوقت، وعند التوقف عن العمل، وعند التوقف عن استخدام المواهب الجسدية. وعندما تصبح أم. كيف ذلك؟

أولًا، يجب أن نعرف أن كيم مستثمرة وسيدة أعمال من الطراز الأول (ذكرتني كثيرًا بمايكل جاكسون). أي أن قيمة المئة ألف دولار عندما تأتي إلى يديها أعلى من قيمتها لدى معظم الناس، تستطيع أن تضاعفها مع الوقت، بل اعترفت في لقائها مع مجلة «ڤوق» أن أكثر أمر افتخرت بتعليمه لزوجها، كان حول نصائح الادخار والاستثمار.

نحن قد نشاهد ملابسًا وشنطًا وبيتًا فخم. لكن ما لم نشاهده أن هذه الأمور (إلى جانب كونها هدايا من معلنين ربما) كان خلفها إنسانة حريصة جدًا على استثمار معظم دخلها، وأترك لك مساحة تخيل نتائج هذا السلوك منذ أكثر من عشر سنوات.

والسؤال هنا، كم هي نسبة مشاهير التواصل الاجتماعي الملمين بأبسط قواعد الادخار والاستثمار؟

عند سؤال مذيع «ڤوق» لها عن أجمل هدية حصلت عليها في حياتها؟ كانت الإجابة بكل صراحة مثيرة للدهشة بالنسبة لي.

قالت: «في سبتمبر عام ٢٠١٩م، قام كنايا بإهدائي علبة تحتوي على: سماعة أبل + جورب أديداس + دمية ميكي ماوس، وأخبرته.. ما هذا إذًا؟ ليرد عليها بأنه أشترى له حصصًا كبيرة في شركات هذه المنتجات».

اعتبرت كيم هذه الهدية أعظم هدية في حياتها. لأن النبيه زوجها كان يعرف كيف تعمل عقلية زوجته، يعلم تمامًا أنها مثل باقي النساء تحب هذه البضائع، لكنها تعشق أن تمتلك أسهمًا في شركات تلك البضائع أكثر. ويعرف أن سعادتها ستصبح مضاعفة مع الأسهم أكثر من البضائع نفسها.

هي مشهورة واستعراضية وتحب المنتجات الفارهة.. صحيح. لكنها ذكية جدًا، وتعلم أن الأهم على المدى الطويل هو امتلاكها لأسهم في هذه الشركات وليس امتلاك منتجاتها. ولذلك تجدها في مناسبات كثيرة توجه معظم مصاريفها نحو استثمارات جديدة.

ديزني وأبل وأديداس، شركات توزع أرباح سنوية، وهي في نمو مستمر (بغض النظر عن تفاصيلها المالية، وهنا بالتأكيد لا أشجع بشكل مباشر على شراء أسهم في تلك الشركات دون إلمام بالمخاطر).

الأمر الآخر أن كيم هي المسؤولة الأولى عن مصاريف وأموال عائلتها. واشتهرت أنها بدأت بالعمل منذ سن السادس عشر، وحصلت على أول بطاقة ائتمانية بجهدها الخاص، وهي معروفة أيضًا في المقارنة مع دخلها المرتفع، أنها اقتصادية جدًا جدًا، وليست مسرفة كما يبدو عليها.

بل أن الصحفية في مجلة حكمة المال «رونا ريكاردسون» علقت في إحدى النقاط عن كيم، بأنها لا تعتبر بشكل عام إنسانة مدللة، بل على العكس تمامًا وهي لم تكن ستصبح شديدة الثراء (أو ماكينة تدفق مالية) لو لم تتميز بتعليم نفسها بنفسها كل شيء، وتعليم نفسها الاستثمار وتفاصيل الأعمال. هنا اقتباس عن كيم عن إحدى أساسيات هذا السلوك:

«لقد اصطدمت بسيارتي، وقبل أن أحصل على سيارة أخرى، أجبرني والدي وقتها على توقيع عقد ينص بأنني سأكون مسؤولة مسؤولية تامة على سيارتي في حال حدوث شيء لها» كما أخبرت مجلة «ويلث سمبل». «لم يكن لدي مال، لذلك اضطررت للذهاب للحصول على وظيفة في متجر ملابس، ودفع ثمنها».

وفي مذكراتها المالية، تشرح سلوكها في الإنفاق على الأمور غير الأساسية «أقول لمديري أعمالي، مثلًا: حسنًا، أرغب حقًا في الحصول على هذا الشيء، لكنني سأعمل في مهمة إضافية للحصول عليه، لا أريد أن أخرب الميزانية الموضوعة للمصروفات».

عن التواصل الاجتماعي.. يسألها مذيع «ڤوق» عن الوقت الذي تقضيه فيه، وإليك الإجابة المذهلة:

«ليس الكثير.. أمضي بحد أقصى نصف ساعة يوميًا إن تطلب الأمر»

هذا الاقتباس قاد اليوتيوبر المعروفة «سوريلي أمور» إلى فكرة محاولة التخلص من إدمان التواصل الاجتماعي وصرحت في الفيديو عن هذا الشأن بقولها: «إن كانت إحدى أهم المؤثرات في عالمنا وفي عالم الإنترنت تقضي أقل من نصف ساعة في التواصل الاجتماعي يوميًا، ماذا عنّا نحن؟».

ماذا لو أخبرتك أن زوجها الشهير لا يملك أي حساب على قنوات التواصل الاجتماعي؟

بل أن الأكثر إثارة كان بالنسبة لي، تعلقها بفكرة الأمومة، وأن هذا الأمر حوّلها لإنسانة تجد في عائلتها وأولادها الأولوية القصوى، وإن كُنت ترى في هذا الكلام أمر بديهي، فلا أوافقك الرأي، لأنه أحد أهم الصراعات الداخلية التي تُصيب المواهب الفنية (خصوصًا التمثيلية أو التي تعتمد على الشكل بالدرجة الأولى).

كيم تعرف ماذا تريد بالضبط من هذه الحياة، هي إنسانة شديدة التركيز لدرجة أنها بالفعل لا تخلط بين حيواتها الكثيرة. هي تعطي بقوة للأعمال، وتعطي بتركيز للأمومة، وتعطي بتركيز لبرامجها الاستعراضية، تكثر من الأسئلة وتطلب النصائح من الناجحين حولها. عكس معظمنا، نعطي نصف ذِهن لكل شيء.

نحن نريد أن نصبح أثرياء ولا نريد أن ندّخر أو نستثمر.

نريد أن نكتب كتبًا أو نرسم أو نتعلم شيء جديد ولا نريد أن نتوقف كل دقيقة لإلقاء نظرة على الجوال.

نريد السفر والحياة الممتعة ونريد أبناء ولا نريد أن نتعلم كيف نصبر أكثر.

هناك قناعة خفية داخل عقلي سأعترف بها اليوم: لا يوجد شخص ناجح في أي مجال (حتى في أقصى المجالات تفاهةً) إلا وكان هذا النجاح منبعه القدرة على القيام بشيء لا يستطيع الاخرين القيام به وتكراره باستمرار.

كان الله في عون الجميع.


المصادر:

Drowning In Dopamine: My 30 Day Social Media Detox

Kim Kardashian Probably Spends Less Time on Instagram Than You Do

Instagram accounts with the most followers worldwide as of June 2020

Kim Kardashian Says This Is the Best Investment She’s Made

عن العمل وريادة الأعمال

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا تستخدم جوجل كثيرًا: هناك بديل أفضل

عندما تدفع، تُصبح العميل بدلًا من المُنتج

لا تستخدم جوجل كثيرًا: هناك بديل أفضل
للأعضاء عام

موعد مع طلال

«لماذا تكتب؟» كان هذا هو السؤال الخطير والأخير، وأنا أهِمْ بالخروج مستعجلًا للذهاب إلى عشاء بالقرب من أُبحر.

موعد مع طلال
للأعضاء عام

عن التقاعد المبكّر: مقالة للمكروفين في حياتهم

التقاعد المبكر فكرة ساحرة. تستمد سحرها لأنها غير متناولة في اليد.

عن التقاعد المبكّر: مقالة للمكروفين في حياتهم