تخطى الى المحتوى

ما يتوقّعه المدون من القارئ

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

دون مقدمات.. هناك أمرٌ يشغل بالي منذ فترة، وربما أجد الحل مع القارئ الكريم.

تزداد صعوبة الكتابة أكثر فأكثر، ليس لأنها تقنيًا أمرٌ صعب، بل لإحساسي برهبة القارئ الذي أتخيّله وهو يقف أمامي يقرأ ما أكتبه. الصعوبة تستدعي الاستحضار الدائم له، وهنا يولد نوع من التناقض، فالغزارة (في الكتابة) هي أم الجودة، ودائمًا ما كُنت أستغرب أن الكثير من الكتابات البسيطة تُصبح بشكلٍ غير متوقع ذات تأثير أكبر من الكتابات العميقة على مزاج وردة فعل القارئ، النقيض من الطرف الآخر هو المحاولة المستميتة لعدم جعل القارئ لكل ما أكتب يعتقد إنني أستخف به أو بعقله معاذ الله، ولهذا لا أعاني من نقص المواضيع التي أُفضّل الكتابة عنها (أو ما يُسمّيه النخبويون حبسة الكاتب  Writer’s Block) بل لاعتقادي أن القارى يجب أن تُستعرض أمامه أفكارًا واضحة وصلبة وعميقة، وهذا بطبيعة الحال يتعارض مع فكرة الانضباط والاستمرارية عند الكاتب، فهو يجب أن يكتب. احم.. أي شيء يخطر على باله وإحساسه!

خذ مثلًا مدونة أحد أشهر اقتصادي العالم «تيلر كوين»؛ يكتب عن المطاعم، والسياسية، وأمور بسيطة، وأخرى شديدة العمق، وأحيانًا أخرى يكتب اقتباسًا واحد يرى أنه يستحق أن تُخصص له صفحة كاملة فارغة حولها ليركز القارئ فيه.

أنا من أشد المعجبين به، سلاسة قلمه قدوة يحتذى بها بالنسبة لي، وهذا ما يتعارض مع اعتقاد آخر أيضًا حمّلت نفسي مسؤوليته بشكلٍ ليس له داعٍ، أن هناك فرقٌ شاسع بين الكتابة المنتظمة والنشر المنتظم، ولو إنني أميل مع النشر المنتظم دومًا.

لا أميل لمُسمى «صانع محتوى»، وأميل أكثر للتسمية الأكثر دقة على الطراز القديم: كاتب، مخرج، رسّام، يوتيوبر (استثناءًا)، طبّاخ، صحفي، روائي، محاسب، مصارع إلخ. وأجد نفسي محبًا ومخلصًا للكتابة أكثر من أي أمرٍ آخر، ولهذا أجد نفسي ملزمًا بأن أكتب دومًا دون توقّف.

في أحد المرات كتبت تعليقًا سلبيًا مطولًا عن أحد المطاعم (أصبحت قبلها Local Guide محترمًا في خرائط جوجل من كثرة التعليقات والتقييمات)، للحظات كدت أن أنشره للآخرين، ترددت خشية أن أرى سيلًا من إلغاء الاشتراكات من مدونتي، ولا يستطيع قلبي أن يقول «براحتكم» ومع ذلك فإنني أخون نفسي جزئيًا، بعدم التعبير للدرجة الأقصى.

أمرٌ آخر، وهو مثلًا بحثي الغزير وقراءاتي الكبيرة في مجال العلاقات الإنسانية مؤخرًا: بين الوالدين وأبناءهم، وبين المطلّقين، وحديثي العلاقات الرومنسية، الفروقات بين الجنسين وغيرها. عدة قناعات وأفكار جديدة تشكّلت بسببها اعتقدت أنه من الأجدى الكتابة عنها، ولكن.. يظل القارئ مع رهبته لا ينفك أن يظهر لي، فأنا إن كتبت عنها قد أحكم على كتاباتي الأخرى بالإعدام.

وهنا أتقدّم للقارئ القديم قبل الجديد بسؤال المليون ريال: هل سيفوتك الكثير إن لم يُكتب عنه؟

 

عن الكتابة

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عن روتين وغزارة كتابات تيلور كوين

لشخص في مثل حالتي يصارع الوقت والظروف للبحث عن ساعات متفرّقة للنضباط في الكتابة، أجد نفسي مفتونًا بأسلوب وغزارة انتاج الاقتصادي المعروف والمحبوب تيلر كيون في الكتابة. يكتب أكثر من مقالة يوميًا منذ أكثر من عشرين سنة، إضافة إلى عشرات الكُتب التي قام بنشرها. لا يتوقف

عن روتين وغزارة كتابات تيلور كوين
للأعضاء عام

كيف نتعامل مع توسّلات من سيموتون قريبًا؟

مع قرب الألفية الماضية، حصل حادث مأساوي للروائي الشهير ستيفن كينج، وصف تأثيره: «أصبحت مشيتي مختلفة عمّا كانت عليه من قبل»، وأصبح أيضًا كما قال في مقدمة الجزء الأول من سلسلته «برج الظلام»؛ أكثر تأملًا في مسألة التقدّم في العُمر، التي كان عقله يتقبّلها

كيف نتعامل مع توسّلات من سيموتون قريبًا؟
للأعضاء عام

المدونة بحلّتها الجديدة

أحيانًا يحتاج الإنسان أن يورّط نفسه بوعود غريبة لكي يتمكّن من إخراج نفسه بسلام من هذه الوعوُد، من أجل أن يضمن الإنجاز. وأحيانًا يحتاج أن يحوف نفسه بمن يساعدوه على تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه. مثل وعدي أن أتوقّف عن الكتابة - والتي

المدونة بحلّتها الجديدة