من يذكر مطعم هابي ديز وبندروزا؟
يتذكّر مَن في جيلي (والأكبر قليلًا) من سكان مدينة جدة هذه المطاعم التي كانت ملئ البصر في التسعينات وبدايات الألفية. بحيرة القطار، بول يونكلز، وجزيرة الأطفال، والعشرات من الأماكن التي كانت تتصارع في انسجامها مع المجتمع الجدّاوي ضد التوجّس الديني وضغوطًا اجتماعية أخرى. هذه الأماكن كانت نتاجًا لمجتمع يحب الحياة ويعرف كيف يتعايش بأقل الوسائل.. يخلق منها ذكريات وقصص، تطفح بمخزونها الذي يلهب الأحاسيس. جعلت هذه الأماكن من جدة مدينة لا تتناسب مع السهر ولا الاستيقاظ المبكر. مدينة تتوازن حتى في سلبياتها.
امتازت معها الفتاة الجدّاوية بخفة ظِل ومرونة تساعدها على الانسجام مع كل رفقة وكل ضيف، تشعرهم كأنهم صديقات منذ زمنٍ طويل. تنسجم مع الجارة الشامية وابنة البادية، وفتاة الجنوب التي انتقلت مؤخرًا، ولا تدرك أصلًا أن هناك فروقًا بينها وبين فتيات مكة المكرمة والمدينة المنورة حتى تكبُر قليلًا، وتفهم أيضًا أن اختلاف اللهجات مع البقية اختلاف طفيف يذوب بعد أيام ليكون تحت مظلة واحدة.
لا تحكم المحافِظة على غير المحافِظة، ولا ترى إلا كل خير في الأخريات عندما يجد الجد، أو كما تقول والدتي: «إن أهديتهم أي شيء بسيط سيشكرونك وكأنك اشتريت لهم أغلى الأشياء، ليسوا قاسيين في زعلهم، ومتفهّمين للظروف.. لأنهم مجتمع خير وبساطة».
في حين أن الشاب الجدّاوي يمتاز بكونه لا يعرف أصلًا إلا أن يكون لطيفًا. يحب البحر، والبلوت، والمبادرات الاجتماعية الخيرية، تجده في مختلف المناصب الحكومية والخاصة اليوم بعد أن تحمّل المسؤولية وانتهى من مراهقة وفترة شباب طبيعية، قضى جزءً منها مع ذكريات لا يود أن ينساها، ليكون بعدها مبادرًا في صناعة التغيير، يستطيع أكثر من كثيرين الانسجام في أي بقعة في العالم، هو معتاد على الاختلاف، ومتقبل للتغيير، يحب الضحك الذي اعتاد عليه، ويحب أن يكون رجلًا إن اختار كما اختار دومًا.
طاقة المكان انعكاس لأهله، تستشعرها فور وصولك له.
وعندما تختفي الأماكن، فذكراها لا تختفي.. تظل تشعل الحنين داخلك. يهوِّن عليك أن زينة جديدة قد زينتها.
المكان بأهله.. وجدة في الخير بأهلها وأماكنها التي ذهبت والتي ستبقى.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.