تخطى الى المحتوى

عندما نعتقد أن المشهور على حق

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

في تغريدة مررت عليها في تويتر يقول صاحبها: «حدث موقف لي أيام المدرسة إذ أعطيت مدرس اللغة العربية نصًا مكتوبًا، وزعمت أنه لي، فقال كلماتها رديئة ينقصك الخيال وحسن التعبير، فقلت له أن النص يعود لجبران خليل جبران! الأديب الذي طلب منا حفظ سيرته. يومها تعلمت أهم درس في حياتي أن اسم الفرد أحيانا له وقع أكثر من كلماته وأفعاله».

في الحقيقة أعتبر ما قاله الأخ الكريم صحيحًا إلى حدٍ بعيد. فمن الناحية التقنية، قرأت كتاب جبران خليل جبران «النبي» بأفضل ترجمة موجودة في السوق (ترجمة الكاتب المعروف ميخائيل نعيمة). وقد لخصّت نتيجة هذه القراءة بتعبير يصفني دومًا، وهو أنني كُنت مثل الأطرش في الزفة أثناء القراءة. لم أفقه من الكتاب شيء، ولم أستوعب ماذا كان يحاول المرحوم جبران أن يقول لي. بالطبع لا يعطيني هذا الأمر حق التعالي أو الاستنكار لهذا العمل المُخلد والمشهود له طيلة سنوات طويلة، لكن كل ما في الأمر أنني فعلًا لم أفهمه!.. وأدّعي أن المشكلة مشكلتي الشخصية، لأنني من المدرسة التي تميل كثيرًا لهضم الأفكار الواضحة والبسيطة والمباشرة، ولا أُحب الكلمات التي تحمل بلاغات كبيرة في بطنها، والتي تستنزف الكثير من الجهد العقلي. وأعتبر جديًا أن البلاغة وكثرة الوصف والرسائل من خلال محتوى قليل، أمرٌ بالغ الصعوبة، وبحتاج إلى مقدرة فنية استثنائية.

الأمر الآخر، أنني على قناعة بأن الكثير من الأعمال القديمة -بشكل عام- لا يستطيع قارئ اليوم التعاطي معها (رغم ولعي بالكثير من الروايات الكلاسيكية القديمة، إلا أنها أيضًا أعتبرها من الاستثناءات)، ليس لحسنها أو سوئها بقدر اختلافها عن الجو العام الحالي، فبالكاد يستطيع صانع المحتوى أو الكاتب أو مقدم المعلومة أو القاصْ اليوم بأن يسرق ذهن المتلقي ليحافظ عليه بحوزته مؤقتًا، ويقنعه به في ظل وجود ملهيات عديدة. ومن زوايا أخرى من الوعي، ربما نستطيع إسقاط هذا الأمر على الفتاوى الدينية أيضًا، فلكل زمانٍ دولة ورجال وظروف، وبالطبع جمهور!

كون أن صانع المحتوى إنسانٌ مشهور، فهذا بالتأكيد لا يعطيه أي ميزة إضافية عن غيره، حتى وإن تأثرنا بأمر شهرته قبل هضمنا لمحتواه. بل إن الزاوية الأهم والتي أريد أن ألفت النظر إليها اليوم هي أن [tweet_dis]التجرد والابتعاد عن العاطفة يقودنا إلى استقبال المعلومات بشكل أكثر فعالية واستفادة، وبالطبع أكثر موضوعية[/tweet_dis]. فالفكرة يجب أن تُقلّب قبل أن نعلم عن حال صاحبها وشهرته ومكانته.

وعودة إلى التغريدة، فقد [tweet_dis]ذكرتني بصديق نشر في جروب العائلة اقتباسًا جريء ونسبه لأحد رجال الدين المعروفين، وبعد أن قبلوا النص وأشادوا به، أخبرهم أنه يعود لفلان (المنفتح اللبرالي) غير المحبوب لهم. وربما «كشّوا» بعدها كما نقول بالعامية من هذا الفخ، والله أعلم![/tweet_dis]

سيكلوجيا الإنسانكُتب واختيارات للقراءةمقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)

مقدّمة: إن كُنت أحد سكّان مدينة جدة، أدعوك لحضور أمسية ثقافية يوم الاثنين (٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م) بعنوان «الشعور بالانتماء ضرورة أم رفاهية؟». رابط التسجيل هنا. تنورونا. ننتقل إلى ملفّات القراء.. السلام عليكم، أشكرك أخي أحمد على إتاحة الفرصة لي، سؤالي كم ساعة تقرأ باليوم، وهل تقرأ كتاب

كم ساعة تقرأ في اليوم؟ (ملفّات القرّاء ٧)
للأعضاء عام

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست

الكتابة (من ناحية تسويقية) لا يجب أن تميل مع ميل صاحبها للموضوعات التي يُحبها. كان هذه ثمرة عدة نقاشات متفرّقة مع أصدقاء عزيزين هذا الشهر. طبعًا أختلف! سوف يكون التطبيق العملي لهذا الاختلاف عدم كتابة مثل هذه المقالة التي تحمل اقتراحات خاصة مختلفة ومتنوعة. على كل حال

اقتراحات سبتمبر ٢٠٢٤م: كتب ومطاعم وبودكاست
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟