هل الكتابة وحياتنا يقودها الحب أم الانضباط؟ (ملفّات القراء ١٥)
الْحُبّ هو مرحلة ما بعد الرومنسية!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله صباحكم/ مساءكم بكل خير، أستاذ أحمد.
أقرأ الآن كتابك «ثورة الفن» للمرة الخامسة. أحب الكتاب كثيرًا لوجود بُعد فلسفي فيه.
سؤالي لك: تجزم في الكتاب أن «وجود الحب هو المعيار الأول والأهم قبل الوصول لأعلى سلالم النجاح»، ولكن أليس الحب شعور مؤقت يأتي، ويزول ومن ثُمَّ يبقى الانضباط هو العامل الوحيد لاستمرار الفرد في الكتابة؟ أو إذا لم يكن الأمر كذلك، كيف تُبقون شعلة حب الكتابة متقدة؟
شكرًا لكم،
عزيزتي نورة،
أسعد الله أوقاتكِ بكل خير.
شهادتك أعتزْ بها، ورأيكِ في الكتاب يسعدني دائمًا، أسعدكِ الله.
جوابي على السؤال: لا، لا أجزِم، أو بالأصح، لا أود حصّرها داخل هذه الجملة.
أُشبِّه علاقتنا بالكتابة (والفنون والأعمال عامة) بالزواج!
تبدأ بانجذاب، ثم رومنسية (ما نُسميه الحب)، ثم «الحب الحقيقي». وهي المرحلة التي تحدّث عنها «إم سكوت بيك» في كتابه The Road Less Travaled. وقد أبدعت الصديقة العنود الزهراني في تلخيص المفهوم في مقالتها الأسطورية بعنوان: «ماذا يحصل عندما نقع في الحب: تفسير سيكولوجي».
بلا شك، الحب (أو الرومنسية) زائلة. مثل هبّات المطاعم. أما الحب الحقيقي هو الذي يتطلّب بذل المجهود، بعد انتهاء الزحمة. الْحُبّ هو مرحلة ما بعد الرومنسية!
نتخيل هذا السيناريو في العلاقات وحِرفة الكتابة:
تُعجبني فتاة مُعينة، وأقرر التقرّب منها (أو يُعجبني لقب كاتب، وأقرر أن أجرب حظي في كتابة مقالة أو اثنتين)، ثم أقرر خطبة الفتاة (الاستمرار في المقالات أو كتابة كتاب)، ثم أقرر أن أتزوجها (أن أُصبِح رسميًا: كاتب).
نسأل بعدها: كيف هو شكل الحياة؟ ولكي نجد الإجابة، ربما نستعير رأي الدكتور مصطفى محمود في هذا الشأن «لكي تستمر حياة الزوج مع زوجته، يجب أن يقنع نفسه أن وجودها ضرورة، وليس مجرد خيار» أو كما قال جون شتينباك: «يجب أن تُقنع نفسك بالوهم. وهم أن ما تكتبه مهم جدًا، وأن الآخرين ينتظرونه. هذه هي الطريقة الوحيدة لكي تستمر»، شكل الحياة يتمثّل في نظرتنا لها، وليس لواقعها الحقيقي.
تعرفين عزيزتي نورة أن البقاء في الزواج أو الاستمرار في الكتابة دائمًا ما يكونون خيارات! خيارات إن ألزمنا أنُفسنا بها أخلاقيًا سنستمر فيها، ويستمر الحُب. الانضباط، وتحمّل العيوب، والصبر على المنغّصات، هي الحب الحقيقي (مع الْخِلّْ والكتابة)، وفي أي أعمال أو فنون أُخرى.
أكتب بانتظام، شئت أم أبيت، فهو واجب أخلاقي، تمامًا كما يجب عليَ أن أوصِل بناتي إلى المدرسة، أو إطعام أهل بيتي، أو تلبية طلبات زوجتي. كلها تبدو خيارات ظاهريًا، لكنها أشياء ءكبر من كونها خيارات.
ولو إنني كُنت فترة كتابة ثورة الفن في مرحلة الإعجاب وقرار الخطبة، إلا إنني اليوم في مرحلة الحب. ربما.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.