تخطى الى المحتوى

التعليم العام والخاص والخيابة

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
التعليم العام والخاص والخيابة

قبل أسبوع، كُنت جالسًا في إحدى اجتماعات العائلة عندما استعرضت عليهم إحدى مشاريعي القائمة هذه الأيام -غير القابلة للنشر للعامة ولكم أعزاءي القراء- وهي «مقارنة بين مخرجات التعليم الحكومي والأهلي وكيف أصبحوا اليوم كل من تخرجوا من القطاعين: دراسة على الجيل الثالث من عائلتي (أحفاد والدي)».

كانت نتائجها المبدئية باختصار تقول: بأنه كلما زاد معدّل صرف الآباء على أبناءهم في الدراسة (بين مدارس خاصة ومدرّسين خصوصيين) كلما كانت نسبة خيبتهم أكبر.

بالطبع هناك استثناء، وهذا بالتحديد أحد أهم الأسباب التي تجعلني أتمهل في نشر ما توصلت إليه حتى أستفيض أكثر في التفاصيل. إلا أن الأمر الاخر اللطيف والبديهي المكتشف، بأن الطالب الشاطر سيكون شاطرًا سواءً في المدارس الحكومية أو الأهلية.

وهناك رأي فلسفي آخر يقول: أن الأهالي يدفعون لأنفسهم إحساس الرضا بأنهم مسؤولين، أكثر من كونهم يدفعون قيمة مدارس أبناءهم الخاصة. تمامًا مثل أن يشتري الأب لطفله حذاء «بيربري»، فالطفل لا يعي الفرق بين العلامات التجارية الفاخرة والدونية، ولا يعي فرق السعر، لكن الأب يعي ذلك.. وهو يخبر نفسه أنه يختار لابنه الأغلى والأفضل ويحاول أحيانًا بمثل هذا التصرف أن يغطي إحساس ما بتأنيب الضمير، بغض النظر عن ذوق وإعجاب الابن بذلك الحذاء.

بدأ موضوع البحث بالإمساك في رأسي بعد أن علّقت إحدى صديقات إخوتي (سيدة خمسينية) عن حال ابنتها التي دخلت المدرسة الخاصة المعروفة في جدة «دار …» من صف الأول الابتدائي حتى الثالث ثانوي، لتتخرج وتدرس في جامعة الملك عبدالعزيز «أدب إنجليزي»، وهو تخصص مستهجن ولا يليق بحجم الصرف التي قامت به السيدة -على حد تعبيرها- طوال تلك السنين، فهي لم تستثمر لتخرج ابنتها للبحث عن أي تخصص بالكاد سيقبل بها، عوضًا عن الحلم التقليدي حول الطب أو الهندسة. بل أن خيبة الأمل مع هذه القصة – إن لم تخنّي الذاكرة – اكتملت بعدم رغبة الفتاة بالعمل في وظيفة بعد تخرجها من الجامعة، بل فضّلت البقاء في البيت في النهاية في انتظار بعلها المستقبلي.

على كل حال، لا أود أن أبالغ في هذا الشأن، فالموضوع معقّد ومتشعّب، إلا أنني أود أن أُشير بأن أحد الأمور المهمة التي خرجت بها بأن نجاح الطفل الدراسي يعود إلى توفيق الله تعالى، ومشاركة الأهل بشكل كبير في التربية والدراسة والتكوين الشخصي، بغض النظر عن نوع المدرسة.

باغتتني ابنة أختي – حادة الشخصية – وقتها بسؤال: ماذا عنك أنت؟ ماذا درست وكم كانت نسبتك عند التخرّج؟ لترد عليها خالتها بأنني تخرّجت بحوالي الـ (٧٤٪)، لتنفجر ضاحكة.. مو معقول! لا أصدق.. أنت يا خالي ٧٤٪؟ .. هاهاها.. كل ذلك و٧٤٪؟ … أخبرتها أن خالتها بالغت في الأمر.

إلا أنه وعلى السيرة، فإن موضوع النسبة (الجامعية أو الثانوية) مهمين لحد ما صراحةً؛ فهم يعطونني مؤشرًا لمدى تماسُك عقل الشخص الذي أمامي. وعلى نفس المنوال والسيرة، كانت لدينا حِزمة مقابلات شخصية للتوظيف قبل أسابيع، لم نستطع أن نحدد شخصية المتقدمين -لعدم وجود خبرة لدى معظمهم- سوى من خلال مؤشر يتيم، وهو معدّل التخرج.

على كل حال، بالفعل بالغت أختي بالرد على ذلك السؤال، وقد تداركت الموضوع بقول الحقيقة وكسر المبالغة حيث أنني تخرجت بنسبة ٦٦،٨٪، لتقترب ابنة أختي حد الإغماء من شدة الاستهجان والضحك، وبأنها حتى وإن حاولت بنية صادقة أن تصل لهذا المعدل الواطي فإنها لن تستطيع.

كان الله في عون الجميع.

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعيةعن العمل وريادة الأعمالمقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟

مقالة ضيف

عندما فقدت ابني سألت نفسي: لماذا نحن هنا؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

في تعليق الشهادات على الجِدار

يعترف لي صديقي العزيز قبل أيام، أنه بعد قراءته لكتاب «وهم الإنجاز»، قام بإزالة كل الشهادات التي حصل عليها في حياته المهنية من الجدار خلف مكتبه. ويعتقد مازحًا إنني كُنت سببًا لكسر فرحته بها. صديقي هذا من خيرة الشباب الناجحين (وشديدي التهذيب)، وبعد أن اعترف، أخبرته بصدق