الشكوى لله.. مو للمتابعين
قبل أن ندخل في الموضوع، هنا بعض المستجدات التي تستحق انتباهك:
١. بودكاست أحمد مشرف، خمس حلقات تم نشرها حتى كتابة هذه السطور.
٢. مقالة مطولة عن الكسل نشرت في ثمانية (حتى نكون صادقين، الكسل خرافة).
يريد المتابع أن يترفه أو يستفيد من متابعته لشخصِ ما، ولا يريد أن يتابع إنسان غلبان ومسكين.
يريد أن يتابع من أجل نفسه، ولا يريد أن يتابع الشخص لشخصه.
على غير عادتي هذه الفترة، قررت البارحة الذهاب إلى إحدى المقاهي القريبة من منزلي هنا في جنوب فلوريدا لأقرأ كتابي على جهاز الكيندل، كان من حسن الحظ أنه كتاب خطير ويستحق أن أضاعف فيه التركيز والوقت المخصص له خارج المنزل.
يتحدث الكتاب عن الحالات التي تُصيب الكُتاب (غير جفاف الكتابة) ويصبحون متكاسلين أو خاملين في إنتاجهم بشكلٍ عام، واقترح الكتاب حلول علمية لمعالجة هذا التكاسل وهذه الحالة الغريبة. أحد تلك الحلول كان ما أسماه «جلسة الكتابة العفوية» Spontaneous Writing Session أو SWS. بأن يقوم الكاتب الذي يريد فك حالة التكاسل فجأة ودون مقدمات بكتابة أي شيء لوقتٍ غير محدد، ويعمل في جلسة أخرى على تدقيق وإعادة صياغة ما تم كتابته. ولا بأس في تكرار هذه الجلسات على فترات تمتد إلى أسبوعين (نسيت في الحقيقة لماذا اختار الكاتب أسبوعين).
من تجربتي، هذه الطريقة البسيطة والبديهية فعّالة للغاية، لأسباب كثيرة أهمها أن عقلية الكاتب والمحرر مختلفتين تمامًا، وعادة ما يحاول الناس أن يقوموا بدور الإثنين في نفس الوقت، وهذا ما يجعل مهمة الكتابة بشكلٍ عام صعبة على الكثيرين (بالمناسبة أطبقها الآن على هذه المقالة).
عمومًا، كُنت مقررًا داخل عقلي قبلها بيوم أن أُعبر عن حالة التكاسل التي أعيشها بسبب تكدّس العديد من المهام الكتابية وغير الكتابية في حياتي، إضافة إلى دخولي غير المخطط له عالم إنتاج حلقات البودكاست، والتي ستساهم بحجز من ساعتين إلا أربع ساعات أسبوعيًا من الجدول.
التعبير هنا يعني أن أشارك القراء فيما أشعر، هذا النوع من المشاركة كنت قد تصالحت معه منذ سنوات عندما اتخذت التدوين كجزء لا يتجزأ من المهام اليومية (أو شبه اليومية) بالإضافة لكتابة الكُتب، فمنها تدريب مستمر على عضلة الكتابة والإبداع، ومنها نوع بديل لكتابة المذكرات اليومية (ولو إنني أكتب مذكراتي بخط اليد على دفتر خاص) ومنها طبعًا مشاركة القارئ الكريم درسًا جديد تعلمته أو محتوًا صادق وحقيقي لا أبحث خلفه سوى على بعض الانتباه أو محاولة تغيير شيء ما سلبي إلى إيجابي في حياة القارئ.
إلا أن التعبير المقصود بدقة قبل يومين هو التعبير من النوع المنتشر حاليًا والمعروف بالنسبة للقارئ الكريم، وهو من فئة ما نسميه بالعامية «الحلطمة» وهو – في رأيي – شكل من أشكال الدلع غير المبرر. بأن أخبر القارئ مباشرة أنني أعاني من التكاسل، ويلا.. أعطيني بعضًا من التعاطف.
وبشكلٍ عام، أملك علاقة تفهّم مخلوطة باستفزاز تجاه الأفاضل الذين يشاركون مشاعرهم الخام على قنوات التواصل الاجتماعي مع متابعيهم (أنا اليوم سعيد/ حزين/ مهموم/ محتاج دعمكم النفسي أو تصفيقكم أو مدح صورتي إلخ.) لم أحسم رأيي بعد تجاه هذه المشاركات، لكنها موجودة.
ولا أخفيكم سرًا، إنني كدت أفتح صفحة المدونة وأكتب مقالة مطولة أشتكي فيها للقارئ الكريم من عقلي وحالي الذي يعطيني كل يوم شعورًا مختلف من جلد الذات. فيوم يخبرني أنني ضاحك على المتابع بعد أن أقنعته أنني كاتب حقيقي، وفي الحقيقة أنا مجرد إنسان متكاسل عن إنجاز الـ ١٣٩،٥٢٢ كلمة التي يجب أن أكتبها حسب الجدول (الذي وضعته بنفسي لنفسي) خلال الأشهر الست القادمة.
اعتقدت أن «الحلطمة» أو التعبير عن مشاعري للقارئ الكريم ستسهم بإعطائي جرعة من (وهم الإنجاز) وكأنني أعتذر من خطأ لم أرتكبه، إضافة إلى نوع من التملق بأنني إنسان منتج وأحاول إخبار الآخرين أنني أحمل بعضًا من المسؤولية، ولذلك أستحق منهم جرعة من التصفيق والتقدير.
استوعبت أن كل أفكار وأشكال التعبير عن تقصيرنا هي آليات مباشرة للهروب من الشيء المقصرين فيه، مهما كان نوع المشاركة وشكلها وجودتها وعلى أي حساب من حسابات التواصل. هذه حقيقة لا تقبل النقاش.
تظل الحركة الأولى هي الأهم. أن نفعل أي شيء عوضًا عن التعبير (الحلطمة) هي التي تجلب لنا النتائج. طلب المعونة من الرحيم القهّار هي السكينة؛ أما المتابعين قد يكونوا مسكّنات.
وأخيرًا، ومرة أخرى.. لكيلا أعطي انطباعًا سلبي تجاه من يحاول أن يعبّر عن نفسه في قنوات التواصل الاجتماعي، اقترح أن يكون التعبير منضبطًا ومقننًا ومحدودًا. فالناس تريد أن تسمع وترى ما يفيدها، ولا تريد أن تتعاطف طيلة الوقت على حال الآخرين، وطبعًا تريد الناس متابعة الأقوياء، وليس المحلطمين.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.