تخطى الى المحتوى

حياة ميتة وحياة حية

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

يُشير الباحث والكاتب المخضرم «روبرت جرين» إلى مفهوم يستحق الذِكر والتذكُّر باستمرار، وهو أن الإنسان في مختلف مراحل حياته يعيش بين وقتين «وقتٌ حي» و «وقتٌ ميت». أو كما أوضح هذا المفهوم لتلميذه «رايان هوليدي» بقوله: «… بينما ينتظر الناس اللحظة المناسبة، هناك نوعان من الوقت الذي يعيشونه: الوقت الميت حيث يكونان سلبيين وفي حالة تمني؛ ووقتٌ حي، حيث يتعلموا ويتصرفوا ويستفيدوا من كل ثانية نحو مستقبلهم المنشود. أيًا فيهم يمثّل حالتك؟».

ولكن السؤال.. ماذا عن روبرت جرين نفسه؟.. هل أطلق هذا المفهوم في الهواء دون أن يُطبّقه على نفسه؟.. يجيب (هوليدي) على هذا السؤال:

«روبرت هو واحد من أكثر الناس إنتاجية، أعلم ذلك جيدًا لأنه عاش هذه النصيحة فعلًا، فخلال خمسة عشر عامًا، كتب خمسة كتب (أصبحت كلاسيكية) ومن المؤكد أنها ستعيش بعد فترة من موته. ما لا يعرفه الكثيرون عنه هو أن فترة الإبداع التي كانت خلال خمسة عشر عامًا كانت قد بدأت مع بدايات أربعينياته. لكن قبل ذلك، لم يفعل سوى القليل جدًا مما كان يعتقد الناس أنه أنجز في حياته. أعتقد أنه قال مرة أنه عمل في ثمانين وظيفة مختلفة في السنوات التي سبقت عمره الأربعين، بينما كان يبحث عمّا يريد أن يفعله في حياته.»

ويُضيف «هوليدي»: «بالنسبة لمعظمنا، نعيش عقودًا من الوظائف منخفضة المستوى حتى تُصبح في حياتنا بمثابة وصفة الموت (أو ما أطلق عليه جرين وقتٌ ميت). في الواقع، كانت كل لحظة -جيدة أو سيئة في تلك السنوات التي سبقت عمر الأربعين لروبرت جرين – هي تجهيز وتوسيع صورة روبرت الأكبر للعالم. المدراء مريضي النفسية، الرفض، تحركات السُلطة عليه، العلاقات. كل هذه أصبحت رؤًى انعكست في كُتبه وأصبح الكثيرين يتعجّب بها. كل ما سبق أربعينيته كان موادًا خام لنجاحه -منقطع النظير- بعدها، كما يقول.»

الحياة الميتة: هي عندما ننتظر شيئًا ما يحدث. نعيش يومنا دون قضية واضحة تجعلنا نستيقظ من أجلها. وإن صح وصفها من ناحية أُخرى، هي تلك الحياة التي لا تدفعنا كل يوم من السرير لنبدأ اليوم. في الحقيقة، هي حياة مخيفة فعلًا -على الأقل بالنسبة لي- ولكن لحسن الحظ أن هذا النوع من الحياة يمكن له بسهولة أن يكون مؤقتًا، فإحساس الضياع الذي يصيبنا من فترة لأخرى إحساس طبيعي جدًا ويُمثل توقيته معنى الحياة أو الوقت الميت، وقدرة الإنسان بالوعي أن هذا النوع من الحياة مؤقت واختياري بالدرجة الأولى، سيقوده بعدها إلى البحث عن حياة أخرى أو وقت حقيقي ممتلئ بالحياة.

الحياة الحية باختصار.. هي الحياة التي تدفعنا للاستيقاظ من أجلها. دائمًا ما يوجد فيها شيء يخطف أنفاسنا عندما نفكر به أو نعمل عليه، دائمًا ما يوجد فيها شيء سيتحقق عمّا قريب.. كتاب قادم، افتتاح المشروع، الانتهاء من فيلم للعمل على فيلم قادم، السعي لترقية حقيقية ومستحقة، ميدالية ذهبية أو رقم قياسي أو جائزة عملنا على الحصول عليها طيلة أشهر مضت.

تجدُر الإشارة بأن «روبرت جرين» قد أخرج للعالم العديد من أهم كُتب السلوك البشري ومنها: ٤٨ قاعدة في القوة، قوانين الإغواء، ٣٣ استراتيجية في الحرب. وكلها تشكلت وبُنيت على أبحاث شديدة العُمق.


References:

  1. 23 Lessons I Learned From Robert Greene On Strategy, Mastery And Power By Ryan Holiday
  2.  Alive Time Vs. Dead Time: Which Are You In? By Ryan Holiday

سيكلوجيا الإنسانعن العمل وريادة الأعمالمقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

تريد سرًا كبيرًا من أسرار الإنجاز؟

عليك بالكلاحة

تريد سرًا كبيرًا من أسرار الإنجاز؟
للأعضاء عام

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟

هل يكون التعبير المفرط عن المشاعر واليقين بسوء النفسية (خصوصًا لدى اليافعين) مفيد، بنفس القدر الذي يجب فيه أن يحاولوا أن يتجاهلوه بالانسجام مع مسؤوليات حياتهم اليومية؟ لا نجد في عالم الرياضات التنافسية أن المدربين حريصين على استكشاف مشاعر متدربيهم بنفس القدر على حِرصهم لإنجاز جلسة التدريب التالية،

لا يسأل المدربين لاعبيهم: ما الذي تشعرون به؟
للأعضاء عام

في تعليق الشهادات على الجِدار

يعترف لي صديقي العزيز قبل أيام، أنه بعد قراءته لكتاب «وهم الإنجاز»، قام بإزالة كل الشهادات التي حصل عليها في حياته المهنية من الجدار خلف مكتبه. ويعتقد مازحًا إنني كُنت سببًا لكسر فرحته بها. صديقي هذا من خيرة الشباب الناجحين (وشديدي التهذيب)، وبعد أن اعترف، أخبرته بصدق