اتبع شغفك: لماذا قد تكون هذه النصيحة هي الأسوأ؟
هناك مفهوم جديد مفاده أنك كإنسان طموح «يجب أن تتبع فضولك» بدلًا من أن «تتبع شغفك»، كما ذكر لي صديقي العزيز معتز.
عندما نعتقد بشكل حاسم أن الشغف هو المُقرِر لمصير حياتنا فإننا ببساطة نخبر أنفسنا أن لا شيء في الدنيا يستحق الاهتمام أو المحاولة سوى ما نعتقد أنه شغفنا. وقد نكتشف أن هذا الشغف ليس هو المُستحِق للاهتمام، بل قد لا يكون هو الذي سيأكلنا ويشربنا مع أولادنا لبقية العمر. ببساطة لأنه محصور داخل عقلنا، متناسيين أن الحياة الواقعية تتطلب أكثر من توفر الشغف لوحده.
قد يكون شغفي أن أكتب كل يوم، نعم، لكن هناك معادلة توازيها أهمية، وهي أن علي أن أجد أشخاصًا يقرؤون لي، ويشترون كُتبي، لأستمر في انتاج المزيد، لآكل وأشرب وأعيش دون ضغط! … وبالطبع إن كُنت سعيد الحظ، مع إزالة الضغوط المستقبلية سأستمتع ببساطة بما أعتقد أنني شغوف به.
أرسلت لي إحدى الكريمات رسالة مفادها: أنها تخرجت حديثًا من الجامعة، وقد عُرِض عليها عدة وظائف برواتب بسيطة، وليس هناك واحدة فيها ترتبط بما تحبه بشكل مباشر، لتقوم بعد هذا الشرح برص سؤالها: هل اتبع شغفي والعمل على ما أُحِب (أيًا كان)؟ أم أقبل بأحد تلك الوظائف؟ وبالطبع اقترحت عليها أن تصقل نفسها وتكتشف المزيد من الاهتمامات غير المكتشفة في حياتها من خلال الانخراط في العمل، ومع اقتراح آخر بأن تنظم نفسها لتمارس شغفها خارج أوقات الدوام. العمل والانخراط في مجتمعه قد يوسع دائرة الفضول، وقد يساهم باكتشاف الشغف من زوايا مختلفة، أو ربما قد يؤكد لآنستنا لاحقًا أن ما كانت تعتقد أنه شغفها، يستحق بالفعل تضحية حقيقية أيًا كان ثمنها.
سيقول قائل إنني قد أتعارض مع هذا الطرح فيما ذكرته في كتابي «ثورة الفن»؛ بأن الإنسان يجب أن يمارس عمله بشغف وحب، لكن في الحقيقة، ما أود لفت النظر له أن الشغف يجب أن يكون المحرك رقم إثنين بعد اختيار الفن أو إتقان العمل أيًا كان. الشغف يجب أن يكون الوسيلة، وليس الغاية.
مشكلة تحديات العالم المعاصر في مصاريفه والتزاماته ومنافساته الشرسة أنها لا تحتمل أن ينغلق الإنسان على نفسه بحجة معرفة الشغف. لأن هذه القناعة قد تجعلنا ببساطة أكثر كسلًا وأقل تقبلًا للفرص الجديدة، بل قد تحدد حدود منطقة الراحة في حياتنا، والتي قد تجعلنا ببساطة «شوية تنابل» لا يملكون أي استجابات للتغيرات الحية حولنا.
بعد اكتشاف الفضول، ومعرفة الطريق الذي سيؤكلك ويشربك، ابحث عن الشغف. أو بلُغة أخرى، استخدمه ليوقِظك كل يوم من السرير، لتكمل حياتك وتمارس عملك به. وليس العكس!
مشكلة هذه النصيحة (اتبع شغفك)، أنها أحيانًا إن طُبقت بإخلاص سوف يكتشف الإنسان بعدها بعشرات السنين أنه قد أضاع الكثير من الوقت في عدم وجود تطور واضح وصريح في حياته. وهو شعور سيء لا يود أحد أن يمر به. وتجعل هذه النصيحة الإنسان يميل «للبوهيمية» أكثر، ولعدم الاكتراث للحياة بشكل فعّال؛ لماذا؟ لأنه سيقيس كل مستويات حياته بمعيار واحد يعتقد أنه هو الأصح، وهو معيار الشغف. في الوقت الذي تتوسع في المجالات والمواهب المستحدثة، وتطور العالم إلى مستويات شاطحة من الإبداع والتكنلوجيا والفرص، والتي لم يجرب أي فضول له فيها.
ربما أميل هنا لسلوك آخر قد يكون جزء من حل معضلة هذه النصيحة، وهو استمرارية العمل المتواصل كل يوم، ودون توقف. داخل ما نعتقد أنه شغفنا. مع ترك مساحة كبيرة تجعلنا «نسترزق» ونبحث عن المزيد من أنفسنا. ونستمر طبعًا بسؤال أنفسنا السؤال الذي هَريَت الناس به: «متى كانت المرة الأخيرة التي جربت فيها أمرًا للمرة الأولى؟»
الشغف حسب المفهوم السائد هو عدم الاكتراث لأي شيء آخر غير الشغف!
وهو زيادة مساحة البوهيمية في كل جوانب الحياة.
الحياة لا تحتاج مثل هؤلاء مع الأسف. الحياة تحتاج للمزيد من العمل.
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.