تخطى الى المحتوى

لماذا يجب أن تقاطع أصدقاء المدرسة؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف

يتحدث الفيلسوف آلان دو بوتون في أكثر من مناسبة عن قلق البحث عن المكانة الاجتماعية. تزداد هذه المكانة في نظر البعض عند امتلاكهم لحجم أكبر من الماديات الحياتية (سيارة فاخرة، ساعة فخمة، ملابس باهظة إلخ.) أو لمنصب عملي مهم (سفير، مدير، رجل أعمال إلخ.) وتعتمد نظرة الشخص وثقته بنفسه معظم الحالات توازياً مع امتلاكه المزيد مما ذُكِر.

المفارقة الظريفة التي يذكرها دو بوتون، أن لا أحد فينا يشعر بالغيرة من ملكة بريطانيا رغم أنها أكثر ثراءً من معظمنا وبالطبع تمتلك منصباً من شبه المستحيل الحصول عليه. سبب عدم الغيرة ينبُع من عدم ارتباطنا بأي علاقة تجمعنا بالملكة بشكل مباشر، فنحن نشاهدها على التلفاز ونسمع عنها، لكن على الأغلب لم نراها على الطبيعة في حياتنا، وهي ليست ضمن إطارنا الاجتماعي الضيق الذي يقودنا للمقارنة أو للغيرة ضدها، مثلما تقودنا مع أقراننا وأبناء دائرتنا.

حرص الأغلبية على تعزيز الثقة بالنفس هو المُحرك الذي يدفعنا طيلة الوقت للمقارنة والاطلاع على ما يملكه الآخرين – خصوصاً الأصدقاء –، والحرص الأكبر على الشعور بأننا نحتاج للمزيد من الحب والتقدير أيضاً يجعلنا أحياناً نقدم الكثير من التضحيات من أجل الحصول على شيء منه (كصرف مبلغ كبير جداً نحتاج إليه، مقابل شراء حذاء فخم ليرانا به الآخرون). وعندما يقتنع الإنسان أنه بالفعل خُلق وتشكل بشكل منفرد ومميز، لن يحصل ويزداد تعلقه بالماديات والمناصب، لأنه مكتفٍ بنفسه وبحالته. والكلام هنا بالتأكيد أسهل من الفعل.

يعتقد دو بوتون أن السبب الرئيسي الذي يدفعنا للبحث عن مكانة الذات من خلال الماديات أو الأمور التي ليست ذات أهمية بالضرورة، هي بسبب وجود شخصيات متغطرسة في حياتنا؛ ومن خلال هذه الشخصيات نرى نقص أنفسنا، ونتأثر من ذلك، لنندفع وراء الأمور الأقل أهمية، ونترك الجوهر.

يقابل عكس هذه العلاقة علاقاتنا بأمهاتنا مثلاً، فهم لا يأبهون أبداً ماذا نلبس، أو ما هو منصبنا، لأن نظرة الأم لإبنها إنسانية تامة، وقد يدفعها تشجيعها لإبنها والوقوف إلى جانبه من أجل الحصول على الماديات المذكورة، هو نفس الدافع أصلاً للإبن «نظرة المتغطرسين» لكن أمام الأمهات الأخريات.

بطريقة جدية/مازحة يشير دو بوتون أن من أسوء اللقاءات التي تحدث في مجتمعنا، هي لقاءات زملاء الدراسة بعد التخرج بسنوات. لأنها ببساطة تدفعنا للمقارنة مع نفس الإنسان الذي كان يشبهنا – على الأغلب – في ظروف الحياة والعمر. وهذا ما قد يُتيح فرصة قوية لتقليل الثقة بالنفس لدينا عندما يعلم أحدنا أن الزميل الكسول قد أصبح الآن بعد تلك السنوات يملك مالاً أكثر ومنصباً أرفع!

وهنا أُعلق على موضوع اللقاء وغيره من ساعات التعايش مع الآخرين، بأن قدرة الواحد فينا على تعبئة خزان الثقة بالنفس والاقتناع بما نملكه وصرف النظر عن ما لا نملك أولاً خطوة  جيدة قبل التخطيط لهذا اللقاء .. لقاء المدرسة أو غيره من بقية اللقاءات الاجتماعية.

[اقتنيت كتاب Status Anixiety (أو قلق البحث عن المكانة) لنفس الكاتب والذي يتحدث عن هذا المفهوم بشكل أعمق، وربما سيكون لدينا حديث قادم بشكل أكثر تفصيل].

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)