تخطى الى المحتوى

ماذا يفعل الإنترنت بعقولنا؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
ماذا يفعل الإنترنت بعقولنا؟

«القراءات العميقة التي كُنّا نقوم بها بشكل طبيعي، أصبحت معاناة اليوم» يقول Nicholas Carr الباحث التقني ومؤلف كتاب (السطحيين) The Shallows: What the internet is doing to our brain.

يصف نفسه كمتصفح للإنترنت في كتابه (٢٠١٠) كمن تحول من هواية الغوص في أعماق البحار، لراكب «جيت-سكي». وعندما يحكي مشكلته لأصدقائه في عدم قدرته على التركيز في أي كتاب يقرأه، يكتشف أنهم الآخرون يعانون من نفس المشكلة مع وجود الإنترنت. كل ذلك قبل ٢٠١٠، قبل السناب شات، وتطور الإنستقرام، وتوسع دائرة الواتساب.

قارن «كار» في معظم أجزاء كتابه (المحبِط) بين عمل كان يقوم به الإنسان منذ آلاف السنين وهو القراءة، وبين تأثير الإنترنت على عقولنا الذي يجعلنا ندمن التصفح على الهاتف، وعلى جهاز الكمبيوتر، من صفحة إلى أخرى، من مقطع لآخر، ومن معلومة لمعلومة أسرع في موقع آخر بعدها في مقالة كانت الثالثة التي وصلنا إليها دون أن نشعر. مفهوم «العُمق» مقابل «السطحية» الذي طرحه؛ كان مبنيًا على الجدال الذي أشغل نفسه به بوجود شيء اسمه الإنترنت في حياتنا، وشكوته الواضحة حتى في نهاية كتابه، تمثلت في مواجهته هو نفسه صعوبة بالغة في محاولته للانقطاع من الإنترنت ليكتب هذا الكتاب.

الروابط الموجودة في كل مقالة، وعند كل مقطع كان قد أثبتها في عدة صفحات مدعومة ببحوث علمية، أنها ليست فقط تُشتت تفكير المتصفح للإنترنت، إنما لا تجعله يستوعب المقالة (وفي حالات لا يستمتع بها) إن وجدت فيها. ناهيك عن وصفه لجوجل «الشركة المنتجة لأدوات الإلهاء».

«لا أستطيع اليوم قراءة رواية الحرب والسلام (١،٤٠٠ صفحة)، يعلق له «بروس فريدمان» المدون المعروف في شؤون التكنلوجيا والإنترنت، ويضيف: «لقد خسرت اللياقة الذهنية لفعل هذا الأمر، حتى المقالات التي تتجاوز ثلاثة أو أربعة قِطع لا أستطيع قراءتها، بل أقوم بالمرور عليها بسرعة». ويجادل في النقيض «موسيس ديڤيس» حول هذا الأمر: «صحيح أنني أصبحت أقل صبرًا بوجود الإنترنت، إلا أنني أجزم أنني أصبحت أكثر ذكاءً وتواصلاً مع الآخرين عن ذي قبل، وبذلك أصبحت أكثر تطورًا في كتاباتي».

حجة «كار» في كتابه متوسط الحجم (٢٨٠ صفحة) والمدعومة بشكل غزير وعميق، بأن الإنترنت ساهم بجعل البشرية سطحيين أكثر من ذي قبل، كانت كفيلة بأن تجعل القارئ يعيد حساباته في عاداته اليومية وبالتحديد في البحث عن العمق فيها.

أعتبر شخصيًا، وجود التواصل الاجتماعي اللامحدود في حياتنا أحد أكبر وأهم المشاكل التي تؤرقني كل يوم، فمعها (ومع الإنترنت عمومًا) تزداد أوهامنا، ونرجسيتنا، وولعنا بامتلاك أشياء ومواقف لا نستطيع امتلاكها في الحياة الواقعية. نهتم بالسرعة في كل شيء، ونبتعد عن أنفسنا أكثر. وقد تحدثت كثيرًا عن هذا الأمر في مقالات سابقة؛ إلا أن استمرار اطلاعي على زوايا أخرى حتى مع كتاب صدر في ٢٠١٠ يجعلني أتساءل، هل بالفعل لا نستوعب نحن أبناء الجيل الحالي أن العمق أصبح من أصعب الأمور التي يجب أن نبحث عنها؟ .. وأقول فقط العمق ولا شيء آخر. العمق في علاقاتنا، وأعمالنا، وحقيقتنا.

ترددت قبل أن أكتب هذه المقالة المتشعبة والمشتتِة تجاه مفهوم وجود الإنترنت في حياتنا، خفت أنني أصبحت لا أميل إلى كتابة مقالات طويلة لأنها قد تكون مرهقة وذات تأثير قصير بالنسبة لي، وخفت أكثر ألا يأخذها القارئ الكريم على محمل الجد، ليمر عليها مرور الكلام في ظل ازدحام الحياة الرقمية. وها أنا الآن أكتفي بـخمسمئة كلمة تقريبًا.

سيكلوجيا الإنسانكُتب واختيارات للقراءةمقالات عن الانتاجية

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع

في عام الكورونا، زرت هذا المكان أكثر من أربع عشرة مرة. لا أحد أعرفه زاره بنفس القدر.

مكان الغرباء والأحلام خلف الجميع
للأعضاء عام

في فكرة التخلص من الخوف بسرعة

الإنسان عندما يكون حبيس مخاوفه، فإن جزءً كبيرًا من حياته يتوقف عن العمل. تستطيع السيطرة على حياة أي إنسان إن أخفته. مشكلتنا أننا في الحقيقة من نُشعِر أنفُسنا بالخوف، بنفس القدر وأكثر من الأحداث الخارجية التي تستدعيه. الإلمام بالمشكلة هو نصف الحل. أحاول في العادة أن

في فكرة التخلص من الخوف بسرعة