الشهر: فبراير 2018

  • أين يذهب الانتباه؟

    كانت العملتين الأهم في حياة الإنسان المُتحضر قبل أواسط القرن الماضي تنحصر في أمرين: المال والوقت.

    العمل (في أي مهنة) يجلب المال للإنسان المعاصر.

    والتكنلوجيا تجلب المزيد من الوقت.

    والانتباه (attention) يدفع الجميع من أجله؛ التواصل الاجتماعي، إعلانات الطُرق، ورسائل الإعلان، والاتصالات والثرثرة والواتساب.

    كلما أخذت القليل من انتباهك، كلما استطعت أن أزيد من فرصة استثماره لصالحي.

    أستطيع أن أبيع انتباهات الآلاف على التُجار، أستطيع إن اجتهدت قليلًا أن أقول لهم «تفضلوا، هنا قاعدة بيانات بمليون شخص».

    مشكلة الانتباه، أنه لا يوازي الوقت بشكل طردي، فإن شتتُ انتباهك عشرة مرات خلال ساعة، فقد نجحت في مهمتي .. مهمتي الأسهل من محاولة إقناعك بشراء شيء ما أو أخذ خطوة تجاه شيء ما.

    الانتباه، هو العملة الأهم الآن، فلا أحتاج ساعة لأبيعك أو أشتِتك .. أحتاج لجزء من الثانية على قنوات التواصل الاجتماعي لأخرجك عن حبل أفكارك، وأشغلك عن عملك وأهلك وتركيزك وقراءاتك.

    الانتباه .. إن لم ننتبه له، سينصرف.

    والسؤال الأهم: أين يُصرف؟ .. هل يُصرف على أمر يقدمنا خطوة إلى ما نريد تحقيقه؟

    الانتباه اليوم أغلى من وقتك ومالك. ولا أقترح عليك (وعلى نفسي) أن تعطيه دون مقابل.

  • لماذا يجب أن يكون الفنان شديد الكَرم؟

    نجد معظم وصفات ودروس الشيف Jemie Oliver في موقعه الإلكتروني وعلى حسابه في اليوتيوب، يُعلِّم من يريد أن يتعلّم مجانًا. وإذا أردت القليل من الخصوصية برفقة عمله على أرض الواقع، يمكنك زيارة أحد مطاعمه الموزعة في العالم، أو يمكنك شراء أحد كُتبه بمبلغ رمزي، والذي يعطيك وصفات أيضًا والكثير من الخبرات المفصلة.

    واشتهر عن المصور Thomas Hawk كمية صوره الهائلة (مئات الآلاف) والتي أعطى حق استخدامها لمن يريد. ويحلم هاوك بأن يُصدر مليون صورة قبل أن يموت.

    ومثلهم الكاتب Seth Godin وRyan Holiday وMaria Popova، ينشرون أكثر من ٩٠٪ من كتاباتهم مجانًا، منذ سنوات … ودون توقف. ولكي تحصل على بعض الكتابات الخاصة، يمكن شراء كُتبهم (باستثناء الأخيرة والتي تقبل التبرعات عوضًا عن ذلك).

    وبخصوص الموسيقى، لا يمكنني أن أجد أجمل من الاستمتاع بمشاهدة Post modern Jukebox  على اليوتيوب بعد أن أنتجوا أكثر من ٧٠٠ فيديو كليب، ومئات الأغاني الموجودة على iTunes، بأسلوب رائع، يجمع بين الجاز والعصرية. وإن أُعجبت بهم أكثر قليلاً، ستجدهم طيلة العام يسافرون لتأدية حفلات هنا وهناك، ويمكنك في أي وقت (بعد أن تشاهد كل محتواهم مجانًا) أن تشتري منهم قميص أو كوب قهوة، لتربّحهم بعض المال.

    يمكنك أن توظِف المحرر اللغوي المعروف Shawn Coyne بمبلغ ٥٠ ألف دولار ليقوم بتحرير كتابك الصغير، ولكن أيضاً يمكنك زيارة موقعه لتتعلم كل أسراره في التحرير اللغوي، مجانًا. وإن أردت مستوًا أعلى بقليل، فكتابه موجود في المكتبات.

    لن يعطيني أحد مهامًا عملية إن استيقظت فجأة من النوم وأخبرت الجميع أنني متاح بسعر غالي. لكن ربما (فقط ربما) سيعرفني القليلين إن أعطيتهم الكثير الكثير مما أملك من فن، دون انتظار مقابل أو شُكر.

    الفن؛ عملية إنتاجية مستمرة، كريمة … مُلهمة … وتساهم بتغيير واقع الآخرين. وبعد أن تُغير الآخرين، تستطيع أن تعطيهم إنتاجًا مهم وتقول لهم: «تفضلوا، هذا منتج خرجت به من أجلكم، ولكن بمقابل مادي … سيُسعدني اقتنائكم له».

    الحصول على مقابل منذ اليوم الأول يُسمى: وظيفة.

    الوظيفة، لا تشترط تغيير الآخرين. الوظيفة، تقوم على «الأنا» … ما الذي سأحصل عليه؟ متى ستكون إجازتي؟ والأهم: كم ستدفع؟ ومن هو رئيسي؟

    لا توجد مشكلة في الوظيفة. لكن توجد مشكلة عندما نخلط بين الفن والوظيفة.

    المال في صناعة الفن وسيلة ووقود للاستمرار.

    والمال في الوظيفة غاية.

    عندما تكون فنانًا … سيكتشفك أحدهم، ويقول لك «دعنا نعمل سويةً».

    والعكس صحيح عندما تتوظف، ستعمل ليكتشف حقيقتك الرئيس فيما بعد.

    الفن … يتمثل في كسب الثقة قبل التجربة، والعكس تمامًا في الوظيفة.

    الفن وإن كان متاحًا، فهو أغلى قليلاً مما نتصور.

    ولا ننسى أن الشركات تظل توظِف الأرخص.

  • لماذا الإتيكيت مهم أكثر مما تتصور؟

    مثل الكثير من البشر، كنت أعتقد أن مفهوم «الإتيكيت» وسيلة لاستعراض التحذلق و«الأنا» والعظَمةَ لكل شخص مهتم به أو ممارس له. سواءً كان مُضيف أو مستضيف لأي مناسبة تتطلب حجمًا عالِ من الإتيكيت.

    «الإتيكيت أو الالتزام بالبروتوكول في جميع المحافل والمناسبات، هو وسيلة تنظيمية أكثر منه استعراضية» كما شرح لي صديقي العزيز أحمد هوساوي، والمهتم في هذا الموضوع. ويضيف: «عندما يُطبِّق المضيف والضيف فن الإتيكيت، فإن كل جهود المناسبة أو اللقاء ستنصب في التواصل البشري بين الأشخاص، أكثر من الانشغال بالطلبات الجانبية أو بالأمور التنسيقية».

    لماذا يجب أن توضع كاسات المشروب على يمين الضيف أثناء العشاء، حسب الإتيكيت الفرنسي؟

    • لأن أي كأس على اليد اليُسرى لا تخُص الضيف الجالس، وإن أخطأ الضيف على اليسار بوضع كأس مشروبه أبعد قليلاً، فسيعي الجالس أنها مازالت لا تخُصه، فكاساته ستزال موجودة عند يده اليُمنى، وهكذا.

    لماذا يجب على النادل أن يقدم أطباق العشاء من الجهة اليُسرى للضيف؟

    • ببساطة لأن معظم الأشخاص يستخدمون يدهم اليُمنى، فقابلية الارتطام بالنادل أعلى، لو كان التقديم من خلال الجهة اليُمنى.

    لماذا توجد تقنيات محددة بوضع الملاعق بطريقة معينة (كترك الشوكة وهي للأسفل على الصحن)؟

    • ببساطة، لكي لا يحتاج الضيف لإبلاغ النادلين أنه يأخذ فترة استراحة من الأكل، وإلا سيقوم النادل تلقائياً بإزالة الصحون من الطاولة.

    ومثلها الكثير من العادات المحلية لدينا في صب القهوة، فعند هز الكأس، سيقوم المُباشر بزيادة القهوة، دون الحاجة لقطع حديث الضيف مع الآخرين أثناء العزومة.

    وقد شرحت في مقالة سابقة، عن أهمية التركيز بإبلاغ الضيوف عن الزي المطلوب في الدعوة أو المناسبة؛ ببساطة ليكون كل الضيوف على وتيرة واحدة دون أن يشعُر أحدهم أنه بالغ في لباسه مقابل ضيف آخر يلبس « تي شيرت وشورت».

    إن تابعت المسؤولين السعوديين في مناسباتهم التي يصادف توقيتها المساء، سوف لن تجدهم على الأغلب يرتدون بِشت (مِشلح) فاتح اللون، لماذا؟ … لأن هذا الأمر ربما يوازي اللباس التقليدي من ناحية أخرى في المجتمعات الأخرى (بدلة غامقة في المساء، وبدلة فاتحة في النهار). وهذا الأمر بطبيعة الحال سيجعل الضيوف أو حاضري المناسبة، على وتيرة واحدة من التأنق، دون اختلافات محرجة.

    الإتيكيت والتنظيم المبالغ فيه أحيانًا، وإن بدا غليظًا في بعض تفاصيله، إلا أن إتقانه في البيت أو العزائم أو في معظم المناسبات، سيسهل مهام الضيوف والمضيفين بالاستمتاع. ولهذا ابتكر الإنجليز مثلاً أكثر من خمسة تواقيت لمناسبات خلال اليوم، يعلم مسبقًا المدعو إليها ماذا يجب أن يتوقع فيها أو يتوقعون منه أثناءها.

    الجدير بالذِكر، أن تفاصيل الإتيكيت تطال حتى آلية التعارف بين الحضور، فلا يمكن أن يجلس أهم الضيوف في العادة (حسب الطريقة الفرنسية أو البريطانية التقليدية) إلى جانب بعضهم البعض، بل يتم توزيعهم بشكل Zigzag على الطاولة بهدف توزيع القوة والاهتمام، ولكي يتعرف الحضور على بعضهم البعض بشكل أفضل. فإن كان «السيد رقم ١» من حيث الأهمية، على الجانب الأيمن أثناء الجلوس بجانب المضيف في رأس طاولة الطعام، ستجد «السيدة رقم ١» على الزاوية الأخرى المعاكسة من الطاولة يقابلها «السيد رقم٢»، والعكس، وهكذا. تخيل أن كل المهمين في جهة واحدة! … سيشعر البقية بقليل من عدم الارتياح!

    ناهيك عن آليات التعريف؛ حينما يقوم المُضيف أو مسؤول المناسبة، بتعريف الأصغر عمرًا أو منصبًا على الأكبر، وليس العكس.

    وربما أتيح لخيال القارئ الكريم بتخيل عدم وجود قواعد إتيكيت، ماذا سيحدث؟

    فوضى عارمة للمناسبة.

    وربما، يؤسفني القول أن «أم العروسة» في مجتمعاتنا المحلية، تمثل تماماً عكس مفهوم الإتيكيت، فتجدها طيلة الوقت حائمة ودائرة بين الحضور للتأكد أن كل شيء على ما يرام، وأعتقد مفترضًا أن أمهات العرائس في المجتمعات المهتمة بالإتيكيت، يستمتعون بمناسباتهم أكثر من أمهاتنا.

    ولله في خلقه شؤون.


    كل الشكر للعزيز أحمد هوساوي على بعض المعلومات القيمة.

  • لماذا يضعون الموسيقى في المطاعم؟

    … لأنها تعمل عمل العازل للأصوات، فلا يستطيع الزبائن في وجود الموسيقى أن يستمعوا لأحاديث الطاولة الأخرى.

    وبعض المطاعم، تضع الموسيقى السريعة لتجعل الزبائن يأكلون أسرع أو أكثر (أو للإثنين معًا)، وأخرى لتجعلهم يجلسون لأطول فترة ممكنة (المطاعم الغالية تضع الجاز أو الكلاسيك).

    وكنت أعتقد طوال حياتي أن هدف الموسيقى هو «الجو»، وفِي أيام تأثري بالصحوة اعتقدت أنها «فقط لإغاظة المحافظين».

    وكالموسيقى، هناك عشرات الأمور التي لم أستوعبها في البداية، لأكتفي بانتقادها دون محاولة فهمها، ولأكتشف لاحقًا أنها ببساطة مهمة جداً.

    سؤال: لماذا يوجد ما يُسمى زي الحفل المحدد (Dress Code) في بعض المطاعم، والمحافل أو المناسبات الرسمية؟ ولماذا يكون المضيف عادًة شديد التركيز عليه؟

    الإجابة المختصرة: لكي يشعر جميع الحضور بالارتياح في لباسهم، فلا يتوتر لابس البدلة الرسمية، عندما يدخل مقر الحفل ويرى ضيفًا آخر يلبس شورت وتي شيرت، أو العكس.

    والإجابة المطولة، ربما سأخصص لها مقالة مطولة لاحقًا.

  • كذبة الاختيار

    «قال لي أحد الأصدقاء في يوم من الأيام: تلك الآنسة تربت على كِذبة تسمى: قناعاتها في اختياراتها في الحياة» يعلق أكرم، ويضيف: «هي أو هو قد تربوا على الاقتناع أنهم اختاروا ما أرادوه، ولكن في الحقيقة هم تبرمجوا على ذلك، ثم اقتنعوا أنهم اختاروا هذا الأمر!».

    ما مدى دقة هذا التعليق؛ أتساءل!؟

    وإن راجعنا كل التصرفات والاختيارات، هل نستطيع بملء الفم أن نقول، الأمر الفلاني كان فعلياً ما اخترناه لأنفسنا؟ … أم أننا عِشنا كذبة الاقتناع أننا اخترناه؟

    التخصص، الدراسة، العمل، غطاء الوجه، والكثير من القناعات الأخرى كبعض الأصدقاء ومكان السكن …

    أين هم من المعادلة؟

  • وقت للتوقف

    لا يملك معظمنا مع ازدحام هذه الحياة وقتاً للتوقف .. والتساؤل والمراجعة.

    أو بالأصح؛ نملك ذلك الوقت، لكن لا نملك الرغبة للتوقف.

    يعرف الإنسان نفسه، عندما يجلس معها.

    وكلما ابتعد عن نفسه، كلما أصبح مثل الآخرين ولهم طيلة الوقت.

    الانعزال المؤقت يقربك لذاتك ولما تريد أن تكون عليه. وكلما اقتطعت بعض الوقت لذاتك، كلما زادت فرصة فهمك ورضاك عن نفسك. ستتأمل ارتياحك، وستشعر بقيمتك الحقيقية التي لا تتأثر بالآخرين أو بتوقعاتهم منك. ولن تتأثر بما تطلبه الكثير من الأوهام أيضًا.

    التوقف، والهدوء وأخذ الحياة بتروي، تجعل منّا بشرًا حقيقيين، يملكون الوقت لهضم الواقع وفهمه.

    أَحجِز لنفسي كل يوم وقتًا للتوقف … وأدّعي أنني لست ما كنت عليه.

    وقت التوقف والتأمل مع الذات، رائع.

  • الفرق بين العشق والهُيام

    العشق: هو فرط الحُب. ويرتبط دومًا بشخص أو أمر مُجرد (أعشق فلاناً من الناس) أو (أعشق سيارتي). ولا يصح إطلاق كلمة العشق على الله جل جلاله، لأنه ليس مجرداَ، بل ليس كمثله شيء.

    الهُيام: هو داء يصيب الإبل، يجعلها تكثر من شُرب الماء، وكلما شرِبت ازدادت عطشاَ، حتى تنفجر معدتها أو تموت. ولذا سُمي الموت في سبيل الحُب (هيام) أو هو الإفراط في الحب حتى التضحية. ويقولون فلان هائم في حبه لفلانة.

    العشق والهُيام، مرحلتين متقدمة من استسلام الذات، إحداها تشجع الإنسان ليعيش دون وعي، والأخرى قد تقتله.

    العاطفة هي المحفز، والعقل هو المُنجز، ولو غلب الأمر الأول على الثاني، لكان الإنسان ضحية الوهم، ولو غلب الثاني على الأول سيعيش حياة دون طعم أو ما يمكن تسميته «حياة ميتة».

    العشق والهيام، لا يُراهَن عليهم، وقلت سابقًا أن الحُب أيضًا لا يراهن عليه وهو الدرجة الأقل منهما.

    الحب وسيلة، وليس غاية. وهو المؤشر المنطقي والبوصلة لمعرفة ما يجب أن نقوم به في حياتنا أو مع من نُحب، لكنه دون تعقُّل، سيكون مجرد شعور، لا يقدم ولا يؤخر.

    إن أحببتُ عملاً ما … فذلك رائع، وسأستمر في استخدام الحب، لكي أنجز فيه، بتعقُل.

  • كاتب ساخر

    يتميز المصريون بخفة الدم التي طالت حتى أعمالهم الأدبية كما هو معروف طبعاً. بين يدي الآن كتاب «ألبومات» للكاتب الساخر عمر طاهر. المقدمة موضوعة في نهاية الكتاب، لأن الكاتب – حسبما قال الناشر – كان قد تأخر وانتهى من كتابة المقدمة والكتاب وهو في المطبعة، ولذلك تم نقلها في نهاية الكتاب تجنبًا للتأثير على التنسيق (ربما). الفضفضة والسُخرية الاجتماعية من الكثير من الأحداث التي تحصل في حياة الكاتب الساخر، ما هي إلا انتقادات غير مباشرة للوضع الراهن شديد الجدية، أو كما يدعي لو بو تون، هي انتقاد في حالات كثيرة لأصحاب الشأن الأعلى والنبلاء، الذين تغلب على حياتهم الجدية والامتيازات التي لا يستحقونها بشكل غير مباشر أيضًا.

    الكتابة الساخرة – وبكل صراحة – أجدها تستهويني، بشكل يجعلني أكاد أن أعمل في حياتي الكتابية لأكون من ضمنهم.

    ففي مجتمعنا المحلي (الخليجي على وجه العموم) تجد الوجدانيات والظلمات والنصوص والسجع والتراجيديا، جزءاً كبير من المحتوى، وهي لا تقدم الكثير للمتلقي بصراحة أيضًا، فلا هي قد تكون روايات مكتملة الأركان، ولا هي متعة وترفيه خالص (كالكتابة الساخرة)، ولا هي معلومات ستضيف للرصيد.

    فالرواية … رواية. والنصوص والخواطر … (آسف) لكن لا أدري ما هو تصنيفها. ويظل طبعاً الشِعر … شِعر!

    وفي غداء عمل مؤخراً مع صديقي إبراهيم عباس، أشاد هو الآخر باستغرابه من ذلك أيضاً وهو معبر: «مئتي صفحة مكتوبة من اللاشيء!». وتسائل: «لماذا لا نجد هذا الأمر لدى الأجانب؟».

    «نطفح في البرنس» كانت إحدى الجُمل التي مررت بها في قراءتي، جملة قد تمغص بطن المتحذلقين في كتاباتهم وقرأتهم، إلا أنها جملة واقعية يستخدمها الأفراد في الشارع المصري، وأيضاَ السعودي! باستثناء عدم وجود فروع لمطعم «للبرنس» العظيم في جدة مثلاً.

    المفردات السوقية (وأقصد هنا الدارجة في السوق) هي التي تستحق الذِكر والاستخدام في معظم المحتويات المكتوبة، لأنها ببساطة تعكس الثقافة، وتُسهِل إيصال المعلومة، ويستطيع المتلقي أن يعكسها على حياته الواقعية، وهذا ما وجدته في الكتابة الساخرة.

    الكتابة شديدة التنميق والمستخدِمة لألفاظ صعبة وشديدة البلاغة، ستقنع القارئ المبتدأ بأن القراءة مضيعة للوقت، فهي أكبر من مستواه، أو أنها ستخبره بأن الكتابة بهذه الطريقة (في ظل وجود الكثير منها) هي الطريقة الأصح، والتي يجب أن تنحصر فيها.

    سوق الكُتب المصري، مليء بمحتويات وتشبع بجميع أشكال وألوان الكتابات، وللقارئ بطبيعة الحال حق اختيار ما يراه مناسباً له منها، إلا أن شِدة التنافس وكثرة السلاسة والمواضيع التي تلامس الواقع أكثر من خيال الكاتب الوجداني المضحك لدينا، كادت أن تساهم بجعل السوق المصري ينغلق على نفسه، ليركز على كتبه وقراءه.

    على كل حال، تظل الحقيقية كما أشجع دوماً هي التي يفترض بها أن تتحول لنص مكتوب.

    حقيقة المشاعر، أو حقيقة القصة، أو حقيقة وجودة المعلومة.

    وليس رسم الكلمات والمثالية والعاطفة الجياشة!

  • لماذا يجب أن تقرأ كُتباً فوق مستواك

    إن قسمت قراءاتك، ستجد أنك لا تخرج عن ثلاثة إطارات فيها:

    1. تطوير معلومات سابقة، أو التذكير أو لإعادة الاستفادة بالمعلومات الموجودة لديك مسبقاً (كُتب تطوير الذات بشكل عام، ضمن هذه الخانة).
    2. الترفيه، ويدخل من ضمنها (الخيال، الإثارة، تطوير المحصول اللغوي إلخ.).
    3. القراءات التي تتحدث عن موضوع جديد تماماً بالنسبة لك (كُتب التاريخ، التخصصات المتعمقة، الفلسفة إلخ.)

    وأتحدث في هذه المقالة عن النوع الثالث.

    يتطلب أمر قراءتك لكتب أو مقالات أعلى من مستواك الفكري بعض البحث، وبعض المرونة لتعلم مصطلحات جديدة، والأهم … بعض الصبر لتقبل أفكار جديدة أو جذرية أو غير مألوفة. ويعتقد «مارك توين» أن القارئ للكُتب غير الجيدة، ليس لديه ميزة أعلى من الشخص الذي لا يقرأها من الأساس. وهنا أعتبر مجازاً أن الكُتب من الفئة الثالثة تدخل ضمن هذه الخانة.

    صحيح أن التحدي الأكبر لدى القارئ العادي (وقبلها غير القارئ) أن عادة القراءة هي التي يجب أن توضع محل التطبيق أصلاً، إلا أن تناولي لمستواً جديد في نوع القراءة هو ما أود أن أشير إليه، بأن القراءات الصعبة تصارعك لترتقي بفكرك الذي تربى على الحفاظ على منطقة الراحة، حتى وإن كان متعلقاً بالقراءة. (هنا مقالة حساسة وصعبة ساهمت بتغيير حياتي)

    كتب التاريخ، رغم تحفظـي على دقة المعلومات المذكورة فيها بشكل عام، إلا أنني أجد صعوبة ربط المعلومات ببعضها البعض فيها وطولها النسبي، يقودني في حالات كثيرة للحاجة إلى الاستمرار بوتيرة واحدة في قراءتها، وتقودني هذه الوتيرة، إلى أهمية الاطلاع على مواد أخرى، لأكمل الصورة التي خرجت بها منها. فهناك أحداث، وأسماء، وتواريخ، وحالات اجتماعية وسياسية في عين الاعتبار. وسيتحول دور القارئ إن أخلص واجتهد في قراءته إلى باحث، وخالق لأفكار جديدة، بدلاً من قارئ سطحي للمواد التي أمامه.

    كتب الفلسفة، كانت ولا زالت عصية الفهم على العامة من الناس، وإن اقترنت «بالمنطق» وتم تناول قراءتها بهدوء، مع الاطلاع على المسببات التي ساهمت بجعل كل فيلسوف يبتكر فلسفته، سوف تسهُل عليك مهمة لم الأفكار، والاستفادة منها لاحقاً في حياتك (هنا أحد الأمثلة في هذا الأمر)، وستبقى الكُتب أعلى من مستوانا إن اقتنعنا أنها أساسًا أعلى من مستوانا الفكري، وهذا ما يجب أن أقف ضده.

    الروايات الطويلة، تجمع عادةً بين كل الفئات، وتخلق عالماً خيالي جديد ومعلومات (على الطائر) وتقود القارئ للسفر إلى عوالم أخرى، والأهم؛ أنك تطلع على قمة الإبداع الإنساني في خلق تلك العوالم.

    وكُتب السير الذاتية (الصعبة) تتناول العيوب والأخطاء والانتقاد والدروس التي مر بها شخص آخر، لتختصر الطريق عليك في حياتك إن تعلمت من قراءتها.

  • المرض

    مشكلتي مع المرض ليست اعتراضي عليه، بقدر استيائي من تعطيله لباقي أمور الحياة.

    أدفع نفسي دفعاً، بنصف عين … وأنا أكتب هذه السطور.

    ما يأتيني هذه اللحظة هو شعور أو إحساس عميق بأن علي أن أتوقف، أتوقف عن الكتابة وأترك المكتب لأعود إلى البيت. بالتأكيد، ليس الهدف من هذه الكلمات إثبات النضالية! بقدر ما هي محاولة لإقناع نفسي بأن ما يمكن كتاباته، قد يُكتب أثناء وقبل وبعد المرض.

    حرفياً … العقل عاجز عن الحركة، وكأنه يُريد أن يُغمض مثل نصف عيني المفتوحة.

    وها أنا قد توقفت خمسة دقائق، لأسأل نفسي: ماذا تريد أن تقول من خلال هذه الكلمات؟

    وأقول: القليل، ثم القليل من إنجاز أي شيء، أفضل من يوم طويل.

زر الذهاب إلى الأعلى