الشهر: يونيو 2018

  • ساعة الحقيقة مع مشهورة التواصل الاجتماعي

    تم تعيين إحدى الآنسات من نصف-مشهورات التواصل الاجتماعي في شركة استشارات متطورة في الرياض، ولأنها مبدعة أكثر من غيرها في الحضور والكلام، فقد أغرقت في لحظات من اجتمع معها في المقابلة الشخصية. وبعد ثلاثة أشهر من تعيينها، استلمت تقييمها من رئيسها المباشر بتقدير أداء ثلاثة من خمسة. أخبرها أنها جيدة بما يكفي (أو لا بأس بها). اشتعلت غضبًا منه وهي تتساءل عن النقطتين المحسومة، ليقوم بالرد عليها أنه أعطاها ما تستحق من أداء «عملها المطلوب منها» وليس لأدائها الاستثنائي والذي -ربما- قد يجعلها تستحق الخمسة نقاط.

    كانت بغضبها تبحث عن استحقاقها (المتوقع) بين جدران المكتب، كانت تبحث عن نسختها الأخرى من التواصل الاجتماعي والتي لم تظهر.

    استقالت بعدها بفترة وجيزة. لم تقتنع بهذا التقييم. ولم تقتنع أكثر براتبها الذي يقل قليلًا عن تسعة آلاف ريال كونها حديثة التخرج ولا تملك خبرة عملية كبيرة. يبرر أحد زملاءها المتابعين بصمت لحالتها، أن الآنسة قد عانت صدمة كبيرة من الكم الهائل من ضغط العمل والتحديات الكبيرة التي يجب أن تواجهها لتحصل على أعلى تقييم، ومنه لزيادة في الراتب أو لترقية. اكتشفت الآنسة أن العمل على أرض الواقع -كما يقول زميلها المتابع- أصعب بكثير مما تخيلت. تمسكت بشكل غير معلن باستحقاقها في التواصل الاجتماعي للتقدير أمام رئيسها وبقية زملاءها؛ والذين أخبروها بصدق أنها لم تؤدي ما هو مطلوب منها لتحصل على الخمسة نقاط!

    ساعة الحقيقة.. كانت بمثابة الصدمة لها، فالحياة لا تسير كما تسير في العالم الافتراضي، والاستحقاق ربما لا يستمر طالما لم تستمر هي بالمثابرة.

    أتفهمها اليوم وأنا أكتب هذه الكلمات، وأتعاطف معها إلى حدٍ ما، لأن البقية من عامة الناس قادوها لتصديق شيء ما ربما لا أملك الشجاعة الكافية لأقول عنه صراحة أنه مجرد كذبة، كذبة العالم الافتراضي، الذي دربها على الحديث والإقناع أكثر من التعامل مع ساعة الحقيقة في حياتها.

    مواجهة ساعة الحقيقة أحيانًا أصعب مما نتخيل. والنظر إلى أنفسنا في المرآة قد يكون أصعب وأصعب مما نعتقد.

  • سرعة ابتلاع المعلومة من علامات السذاجة

    أنا من المدرسة التي تؤمن أن سرعة التصديق وسرعة الإنكار لأي مسألة مطروح على الطاولة يعتبر من علامات السذاجة. وأصبحت أحيانًا أحاول تصنُع البُطء في عدم القيام باستجابة سريعة. ببساطة، لأننا لا نمر بأزمة معلومات كما شرحت في إحدى المقالات سابقًا مع تطور التكنلوجيا الحالي، ولأن المعلومات أصبحت متاحة للجميع، فالوقت والتركيز حول أي مسألة مطروحة أمامنا، يمكن صرفهما على البحث والتقصي، وأحيانًا ربما يستحق الأمر شراء كتاب ما لقراءته والتعمق أكثر في المسألة.

    تقترن السذاجة -في رأيي- أحيانًا عندما نستسلم للرأي المجرد والموجود في المخزون العقلي لدينا دون تقليب أو تأمل فيه، ويزداد معيار السذاجة عندما نستمر بالتأثر في ترديد البديهيات الإيجابية والتي نسمعها كل يوم في جميع مسائل الحياة. فمثلًا، عندما نقرأ عن أهمية الاستيقاظ المبكر والحفاظ على الصحة العامة وعدم الاقتراب من العادات السيئة، فإننا نسمع لأمر بديهي. لكن تتشكل السذاجة عندما نبتلع هذه المعلومة بأنها أمر مجرد؛ دون الاقتراب من محاولة البحث عن أفضل طُرق تساعدنا على تطبيقها.

    معظم البديهيات حتى في شؤون الصحة مثلًا، لا يمكن الاستفادة من تحقيقها إلا بوجود تبرير أو دافع نفسي وشخصي قوي قبلها، واستيعاب هذا الأمر يبعدنا عن سرعة التصديق أو الإنكار.

    [وبالمناسبة، لوس أنجلوس ليست عاصمة كاليفورنيا، وجينيڤ ليست عاصمة سويسرا!]

  • ساعتك البيولوجية المضروبة

    عزاني أحد الأصدقاء عندما قال لي «كونك استوعبت أن ساعتك البيولوجية مضروبة، فهذا نصف الطريق، النصف الآخر هو أن تبدأ فورًا بمعالجتها». ما قاله صديقي يبدو بديهيًا بعد أن مررنا بفترة تغيُر الوقت بشكل جذري خلال الشهر الكريم وبعدها مع أيام العيد؛ إلا أن مشكلتي في مثل هذا التوقيت في الأعوام الماضية كانت عند محاولتي للعودة إلى العمل بقوة، دون الاكتراث للتريُث، وأخذ الموضوع «حبة حبة» كما نقول بالعامية. فأحرص فجأة إلى محاولة الاستيقاظ المبكر، ومعالجة نفسي من السلوك الغذائي السيء قبلها، وطبعًا العودة إلى جو العمل بشكلٍ عام، ناهيك عن ذنب عدم ممارسة الرياضة والابتعاد الكبير عن عادة القراءة.

    دائمًا ما يدفعني الحماس لمحاولة الرجوع الفوري للصراط المستقيم في نمط الحياة الأفضل بعد توبيخات للذات في مثل هذا الوقت (بعد إجازة عيد الفِطر) من كل عام. وأتناسى بكل صراحة أن الروتين والاستمرارية أهم من الحماس الفجائي. وهذا ما أحاول أن أقوله اليوم لنفسي وللقارئ الكريم؛ بأن الاستمرارية الهادئة هي التي تصنع الفرق، وليس الحماس المفاجئ. رغم أننا نميل دومًا مع السلوك الأخير مع الأسف.

    الساعة البيولوجية تحطمت خلال الشهر والنصف الماضية بسبب عاداتنا الاجتماعية، وليس بسبب ظروف الفريضة طبعًا. إلا أن استيعاب أهمية العودة (بهدوء) ربما سيكون الحل كما ضُرِبت بهدوء خلالها.

    عندما كتبت المقالات الثلاثة الأخيرة (بمتوسط ألف كلمة للواحدة) كان داخلها هدفً غير معلن، وهو محاولتي لتعويض الكسل الكتابي عبر إلزام نفسي بالخروج مع كل واحدة فيهم بمقالة توازي أربعة مقالات (مئتان وخمسين كلمة لمقالة قصيرة). وقد لاحظت أن القارئ الكريم الذي اعتاد على الاطلاع على مقالاتي باستمرار، سرعان ما كان يؤجل هذه المقالات الطويلة لقراءتها في وقت لاحق (كما أخبرني بعضهم)، ومنها احتمالية عدم قراءتها من الأساس لطولها النسبي، وكأنني فاجأته كما فاجأت نفسي بحماس استثنائي قد يُصعّب المهمة تحقيق الهدف الرئيسي. وعليه، أعتقد أنه من الأفضل لجميع الأشخاص في هذه المعادلة، الاستمرار بهدوء عوضًا عن الحماسات الاستثنائية!

    أقول ذلك أمامكم لنفسي طبعًا!

  • صحتك النفسية قبل كل شيء

    هناك فئتين من الأصدقاء الذين تقابلهم بعد سنوات من الانقطاع، الفئة الأولى هي التي لم يتغير فيها شيء، تجد حالهم «على حطة يدك» كما نقول بالعامية. ليس في هذه الفئة عيب طبعًا، المتغيَر الوحيد يكمن في أن عائلتهم زادت فردًا (أو نقصت). وتجد الجديد في أعمالهم ترقية أو نقلة من مكان لمكان آخر بحثًا على الاستقرار الوظيفي. بل أن المثير في هذه الفئة أن أوزانهم الفيزيائية غالبًا تبقى على ما هي عليه إن لاحظت هذا الأمر!

    الفئة الثانية من الأصدقاء هي التي أتحمس دومًا لرؤيتها. تريد أن تعرف الإجابة على سؤال: ما هو الجديد في حياتهم؟ … تجدهم سريعي التغير والتطور، وأحيانًا قد يفاجئوك بمستجداتهم التي تجعل اللقاء بعد انقطاع شديد الحماس وكثير الكلام، حتى تكاد تقول لأحدهم «أرجوك دعنا نلتقي قريبًَا» وتطلب عدم الانقطاع بصدق.

    أخي العزيز وصديق الطفولة د. كامل أزهر، أحد أصدقاء الفئة الثانية. الاختلافات الجذرية بيننا كبيرة، فهو طبيب طموح وشديد التركيز على عمله ودراسته في الولايات المتحدة. شديد الانضباط (منذ مرحلة المتوسطة)، لم يكن يتأثر بسهولة بأي محاولات طيش، كان (وأخوه ريان) نتاجًا لتربية استثنائية من أبوين جعلاهما إلى حدٍ كبير ينمون في بيئة مع صحة نفسية تستطيع التعاطي مع مصاعب الحياة. يخدم كامل اليوم آلافًا من المرضى في الولايات المتحدة ويكمل تعليمه لكي يعود إلينا في يوم من الأيام وهو مكتمل الأركان مع مهمته، لأكتفي أنا هنا بالكتابة والتفلسف على المرضى بعد أن يُعالجوا، أو عند اكتفائهم بصحتهم الحالية.

    عندما التقيت كامل آخر أيام الشهر الفضيل، سألته السؤال التقليدي الذي أسأله لجميع أصدقائي المبتعثين إلى الخارج، «ما هو أكبر درس تعلمته حتى الآن؟». أجابني في البداية إجابة لم أفهمها، حتى بدأ بالشرح. ليتحول شرحه لكلمات هذه المقالة.

    أجابني: «الصحة النفسية قبل كل شيء!».

    يعمل كامل ويدرس كما فهمت في مدينة صغيرة في إحدى ولايات أمريكا، قضيته باختصار أن يكون طبيب أسرة (أو ربما طبيب طوارئ، أرجو أن يعذرني المتخصصين بعدم إلمامي بالفرق، إلا أنني أشرح الأمر بشكل عفوي كما فهمته). ولأن عمله يجمع ما بين ضغط دراسة وبحوث استثنائية وبين عمله الذي يقابل فيه -كما وصف- حالات شديدة التأثر جسديًا في قسم الطوارئ هناك، فهو مثل الكثير من زملاءه معرض لتقلبات نفسية سلبية أكثر من الإنسان العادي مثلنا.

    «رغم كثرة حالات الطوارئ وقسوة معظمها على النفس البشرية، إلا أن إحدى الحالات التي كانت عبارة عن وفاة طِفل صغير بين أيدينا جراء حادث، وهو لم يتجاوز شهرين كانت أكثرها قسوة، للدرجة التي جعلت كل فريق العمل ينغمر في بكاء شديد، شمل معه أطباء يمارسون المهنة منذ عشرات السنين» يعلق كامل، «الكسور والحرائق والحوادث نراها كل يوم، تخيل كيف سيكون يومك بعد خروجك إلى حياتك الطبيعية بعدها. كيف سيكون يومك عندما تذهب إلى زوجتك وأطفالك؟». وربما يقول قائل إن هذه الأمور بديهية واعتيادية لكل من يعملون في المستشفيات، إلى أن الاكتئاب والضغط النفسي كما يصفه لي مع الطلاب الذين يعملون ساعات إضافية في محاولة منهم لتسديد أقساط الدراسة يساهم بتفاقم الأمر، تجعلك ترى الحياة بمنظور آخر، لتسأل نفسك، كيف يعيشون هؤلاء، وكيف يتحدون أنفسهم كل يوم، والأهم كيف يحافظون على صحتهم النفسية قبل أن تتحول إلى محاولة انتحار؟

    «أكثر من حالة انتحار حصلت لدينا في مجتمع الدراسة والمستشفى، كانت إحداها عدم قدرة طالب زميل بالتعاطي مع ضغط الدراسة والمشاهد المرعبة كل يوم، وكانت حالة أخرى طبيب خبير ومتمرس قد دخل في قضية احتيال، لينتهي به الأمر بالانتحار بمسدسه خوفًا من مواجهة سمعته الجديدة أمام الناس، كما عُرف لاحقًا» يضيف لي كامل، «لا يصبح للحياة معنى بالنسبة لهم فجأة! … يرى بعضهم حالات مأساوية تصيبهم بإحباط واكتئاب شديد، تزرع في داخلهم أن القَدر يجب أن يقودهم إلى التخلص من حياتهم الفارغة، مع الأسف» يصف بعض الحالات، «كل يوم حالات مجنونة، وضغط دراسة ومصاريف لا يمكن للمنطق أن يسددها. تحدٍ كبير بالنسبة للشخص الذي لا يستطيع أن يجد لنفسه مخرجًا باهتمامه بصحته النفسية». وهنا أتوقف أحيانًَا للتساؤل: كيف هي الحياة دون هؤلاء الأشخاص! … كيف ستسير الحياة دون لُطف الخالق ثم وجود قسم طوارئ في مكانٍ ما؟

    «صحيح أن دخل هؤلاء الأطباء عالٍ جدًا في المقارنة مع الآخرين هناك، وهنا ربما! … إلا أن الصحة النفسية قد لا توازي الاستمتاع بالدخل أحيانًا، استوعبت أن الصحة النفسية، هي الأهم، هي الأولى، وهي قبل كل شيء. إن كانت صحتك النفسية واعتناءك بها مستمر، أزعم أن حياتك ستستقر في بقية الجوانب، أيًَا كان عملك أو قضيتك في الحياة» يرددها كامل علي أكثر من مرة في اللقاء.

    «الطريق المختصر لمعالجة الصحة النفسية -كما يعتقد الكثيرين منهم هناك- أن تغمر نفسك في المخدرات والشرب». لأعلق بدوري أن الإنسان قد جُبِل بطبعه على البحث عن الحلول المختصرة لمشاكل الحياة، فقد لا ينتظر أحدهم أن يذهب أو يكترث للذهاب إلى أخصائي نفسي يساهم بجعله أكثر قبولًا للحياة! … أضفت تعليقًا آخر، أن مشكلة مجتمعنا ربما تزداد في هذه الناحية بالتحديد، عندما لا يستوعب أحدنا أن الصحة النفسية قد تستوجب بالفعل زيارة أخصائي نفساني، وإن استوعب أحدنا هذا الأمر، قد يتردد ألف مرة خوفًا من نظرة المجتمع. بل أن أحدهم قد لا يطلب المساعد من أي شخص قريب أصلًا. وهنا نأتي على ذِكر أمر آخر أشد أهمية قبل كل تلك الخطوات، وهو تعليم أطفالنا وأنفسنا التعبير عن الذات، طيلة الوقت وتحت أي ظرف، فالتنفيس قد يكون نصف الحل أحيانًا.

    خرجت بمحصلة ذلك اللقاء، بأن الصحة النفسية هي الأهم، وربما علينا البحث عن السُبل التي تجعلنا أكثر بعدًا عن الضغط النفسي والاكتئاب كل يوم. سُنة الحياة تقودنا لمواجهة كل التقلبات شئنا أم أبينا، إلا أن الاهتمام في الصحة النفسية يبقى القرار الأهم. فالصحة النفسية تقود للصحة الجسدية، وتقود في رأيي لحياة أفضل، وأكثر قبول عليها.

    وأعتقد جديًا أننا يجب أن نطرح على أنفسنا كل يوم ذلك السؤال: هل مشكلة اليوم تستدعي هذا الدمار للنفسية؟.. والسؤال الآخر، كيف أخرج من كل مشكلة بهدوء، وكيف أتعامل مع المشاكل القادمة بهدوء أكبر؟

    سألت كامل كيف تتعامل مع هذه التحديات، وأجابني أنه يقوم حرفيًا بفصل حياته العملية عن حياته الخاصة. يحرص عند خروجه من المستشفى بعمل إغلاق لعقله، يستمتع بأقصى ما يمكن له برفقة عائلته وهواياته ولعبة الفيفا، ولا يحاول أن يركز على المشكلة، قدر تركيزه على المُتع والجمال المُتاح في هذه الحياة.

    استوعبت بعد أن ودعته، وهو ذاهب لقضاء أيام العيد في الولايات المتحدة أن الصحة النفسية باختصار، تأتي قبل كل شيء.

  • الكتابة: على الكمبيوتر أم على الجوال أفضل

    سبعون بالمئة من مقالاتي المنشورة حتى المقالة رقم مئتان، كانت قد كُتبت على الهاتف الجوال، وليس الكمبيوتر. هذا السِّر الأول. والسِر الثاني، أن معظمها قد وقع الاختيار عليها لتكون ضمن محتوى كتابي الثاني (مدوان)، الذي طُبِع ونُشِر وبيع للكثيرين من الأحبة القرّاء في مختلف نقاط البيع.

    ودون مبالغة، معظم الكتاب فعليًّا قد كُتب على الجوال.

    كان منها كتابات كُتبت على السرير، وأخرى في وسط الشارع أو في وسط ازدحام ما أو فترة انتظار مطولة لصديق، وأحيانًا في وسط جلسة لم أشعر فيها بتناغمي مع الجلساء.

    أكثر قليلًا من خمسة وأربعين ألف كلمة قررت كتابتها على الجوال بدلًا من التغريد. وبالطبع، مئات الآلاف من الكلمات التي صُرف جهدها وفِكرها في دردشات الواتساب دون أي قيمة حقيقية لقراءها، وبالطبع دون توثيق حقيقي لأفكاري واعترافاتي وتجاربي.

    ما ساهم بتوقفي تمامًا عن التدوين من الجوال هو سوء تطبيق «الووردبريس» منذ عام ٢٠١٤م، وعدم استجابته بشكل فعّال مع اللغة العربية، وهذا ما منعني من استمرار مقاتلة الكسل وعدم البحث عن الإلهام لأمارس الكتابة بأي وسيلة.

    وفِي مثل هذه الأوقات الاستثنائية التي لم ألتزم بها بالكتابة اليومية؛ أعود الْيَوْمَ لتجربة تطبيق الجوال مرة أخرى، لعلني أقنع نفسي والقارئ الكريم أن لكل إنسان حياتين؛ حياة يعيشها وحياة يفترض به أن يعيشها، والفرق بينهم يتمثل في الكسل.

    فالكاتب يكتب، يكتب على الجوال أو الكمبيوتر أو أي وسيلة تساهم بانضباطه، وليس بإقناعه بانتظار الإلهام.

    وقد اخترت حياة الكاتب بصراحة، واخترت مع هذه الأيام الكسل. وأعتذر بحرارة عن هذا الاختيار.

    وهنا ربما أستغل الفرصة لأقول تعويضًا: كل عام وأنتم بخير وسعادة.

  • في التعالي وقت الشِحتة

    لازلت أتأمل سلوك الآخرين كما أتأمل سلوك نفسي هذه الأيام من زوايا مختلفة. أكثر عنصر كان شديد لفت النظر لي هو عنصر: القناعة. أعرف شخصًا كان يملك في مثل هذه الأيام من العام الماضي رصيدًا وأصولًا مادية لم يكن يحلم بها في حياته، وفي هذه الأيام أصبح تقريبًا لا يملك شيء. نقص دخله تسعين بالمئة عمّا كان عليه. ليزداد فجأة اقتناعه بكل المُتع الصغيرة التي يملكها، وأصبح أكثر حرصًا على السعادة من المادة، وعلى العلاقات من المصالح. وطبعًا، مايكروسكوب استشعار الأمور الصغيرة الجميلة في حياته أصبح أكثر تركيزًا من ذي قبل.

    استوقفني أمر هذا الكريم، والذي كنت أعتقد قبله أنني أعاني مثل الآخرين تحديات مختلفة. إلا أن سرعة استجابته وتأكيده لنفسه أن الحياة مستمرة كما هي، هي التي أعادت داخلي تأكيد تلك القناعة التي تقول: التحديات والمشاكل كما هي، لكن نظرتنا وتأثرنا منها هو الذي يختلف ويتفاوت.

    قادني لإعادة الانتباه في نفسي وفي الآخرين، ولأنني في الحقيقة أشعر ببعض الملل والسلبية هذه الأيام، فقد اتجه تحليلي بأن أخشى أن الإنسان قد يجد نفسه حتى في مثل هذه الحالات المدقعة أفضل من غيره، ليقول «أنا أفضل منه، لأنني مقتنع ومُحِب لما عندي، وهو ليس كذلك!». ولازلت أرى -دون تعقيد- أن القناعة والتواضع، ينقلبون أحيانًا لقمة التعالي، خصوصًا إن كان وسط متعاليين من الأساس.

    يصيب التعالي المتكبرين، نعم. ولكنه من المضحك أن يُصيب بعض الغلابة وغير المستوعبين لحالتهم. ولعل الإنشغال والإيجابية غير المستمرة (والتي تُشحن داخل صاحبها) قد تُشغِل المتعالي يومًا بيوم، حتى يكتشف أنه بالفعل كان عليه الانشغال والعمل على مشاريعه وجلب رزقه بدلاً من الأحكام.

زر الذهاب إلى الأعلى