الشهر: يوليو 2018

  • من هي المرأة صاحبة الضمير الصاحي؟

    يصف عمر طاهر المرأة صاحبت الضمير الصاحي في مقالته الطويلة «مطلوب عروسة» من كتابه «ألبومات عمر طاهر الساخرة» بقوله: «صاحبة الضمير هي امرأة تراعي مشاعر أي شيء يتحرك (رجل، قط، فرس النهر إلخ). امرأة تتردد كثيرًا قبل أن تخلع الشبشب لتسحق به عنكبوتًا يتحرك في المطبخ. ويجعلها ضميرها تعطيه فرصة جديدة للحياة خارج حدود الشقة. صاحبة الضمير، صاحبة الروح الحلوة، تحترم نقاط ضعف الآخرين وتتجاهلها عن عمد». ويكمل في وصف تعاطيها مع الزلات «تنظر لعيوب الآخرين كأنها إفيهات في مسرحية كوميدية …». وراق لي إضافته اللطيفة الأخرى «[هي] تتعامل مع خام البني آدم، بغض النظر عن الصورة التي تشكل فيها (بواب، لواء، شرطة، راقصة، فتاة غلاف) … [وهي] امرأة كوميدية ربما لا تجيد إلقاء النُكات، ولكنها تجيد الضحك على النكات، حتى المكررة منها، امرأة «ما بتاخدش وقت علشان نتسامح» وتأخذ وقت طويل حتى تغضب…».

    في الحقيقة كُنت أود أن أترك تعليقي الشخصي على هذا الاقتباس. إلا أن الأخ الكريم الذي يجلس خلفي في الطائرة وينظر إلى ما أكتب بتمعن، ويكاد يطلب التفضل للجلوس بجانبي لمشاركتي الكتابة، حال دون استكمال المقالة.

  • التقدير في الأشخاص وليس الأرض

    سألت سؤالًا على صفحتي في الفيسبوك قبل سنة يقول: «هل لو استقبلت الطائف الرسول -عليه الصلاة والسلام- في محاولته للهجرة، لأصبحت اليوم من المدن المقدسة إسلاميًا عوضًا عن يثرب (المدينة المنورة)؟».

    اختلفت الإجابات دون اقتراب كبير مع الأسف عمّا أحاول الوصول إليه. لكن تعليق أحد السادة الأفاضل كان ثريًا بوصفه: أن قبيلَتي «الأوس والخزرج» ساكني المدينة، كانوا يتميزون عن بقية القبائل/القرى بانفتاحهم الكبير نسبيًا للمجتمعات والأفكار الجديدة، بسبب سفرهم وتجارتهم المستمرة مع الشام ومناطق أخرى عن نظرائهم في الطائف، وهذا ما جعلهم يتحملون قبول الرسالة المحمدية الشريفة وأفكاره بشكل أسرع. وبذلك اكتسبت المدينة بسبب أهلها آنذاك، مكانتها الخاصة ليوم الدين.

    شاهدي أن التقدير والمكانة والشرف الذي كسبته المدينة المنورة (بعد أمر الله) يعود بالدرجة الأولى من وجهة نظري لسلاسة ومرونة الأشخاص الذين سكنوا المدينة، وليس للأرض الفيزيائية بحرها ونشفانها بشكل مجرد. وهو ما كان يبحث عنه الرسول.

    وهو تمامًا ما يجب أن نبحث عنه في محيطنا الضيق وأصدقائنا ومع من نرى مصالحنا الحقيقية معه. فالزوجة وإن كانت من نفس أرض الزوج أو قبيلته أو عشيرته، قد لا يعطيها فرصة أفضل من الزوجة الأكثر قبولًا وثقافةً وسلاسة في التعامل معه والعكس! وكذلك ينطبق الأمر مع كل أنواع الرفقة.

    معادلة التقدير والاختيار يجب أن تختلف. ولعل المثل القائل «الجار قبل الدار» أو «الرفيق قبل الطريق» أعتبرهما شديدي البلاغة، وجديرين بالبحث.

    اختر رفيقك، وإن صعب اختياره، ابحث عنه.

    ولله الحكمة في كل شيء!

  • اتبع شغفك: لماذا قد تكون هذه النصيحة هي الأسوأ؟

    هناك مفهوم جديد مفاده أنك كإنسان طموح «يجب أن تتبع فضولك» بدلًا من أن «تتبع شغفك»، كما ذكر لي صديقي العزيز معتز.

    عندما نعتقد بشكل حاسم أن الشغف هو المُقرِر لمصير حياتنا فإننا ببساطة نخبر أنفسنا أن لا شيء في الدنيا يستحق الاهتمام أو المحاولة سوى ما نعتقد أنه شغفنا. وقد نكتشف أن هذا الشغف ليس هو المُستحِق للاهتمام، بل قد لا يكون هو الذي سيأكلنا ويشربنا مع أولادنا لبقية العمر. ببساطة لأنه محصور داخل عقلنا، متناسيين أن الحياة الواقعية تتطلب أكثر من توفر الشغف لوحده.

    قد يكون شغفي أن أكتب كل يوم، نعم، لكن هناك معادلة توازيها أهمية، وهي أن علي أن أجد أشخاصًا يقرؤون لي، ويشترون كُتبي، لأستمر في انتاج المزيد، لآكل وأشرب وأعيش دون ضغط! … وبالطبع إن كُنت سعيد الحظ، مع إزالة الضغوط المستقبلية سأستمتع ببساطة بما أعتقد أنني شغوف به.

    أرسلت لي إحدى الكريمات رسالة مفادها: أنها تخرجت حديثًا من الجامعة، وقد عُرِض عليها عدة وظائف برواتب بسيطة، وليس هناك واحدة فيها ترتبط بما تحبه بشكل مباشر، لتقوم بعد هذا الشرح برص سؤالها: هل اتبع شغفي والعمل على ما أُحِب (أيًا كان)؟ أم أقبل بأحد تلك الوظائف؟ وبالطبع اقترحت عليها أن تصقل نفسها وتكتشف المزيد من الاهتمامات غير المكتشفة في حياتها من خلال الانخراط في العمل، ومع اقتراح آخر بأن تنظم نفسها لتمارس شغفها خارج أوقات الدوام. العمل والانخراط في مجتمعه قد يوسع دائرة الفضول، وقد يساهم باكتشاف الشغف من زوايا مختلفة، أو ربما قد يؤكد لآنستنا لاحقًا أن ما كانت تعتقد أنه شغفها، يستحق بالفعل تضحية حقيقية أيًا كان ثمنها.

    سيقول قائل إنني قد أتعارض مع هذا الطرح فيما ذكرته في كتابي «ثورة الفن»؛ بأن الإنسان يجب أن يمارس عمله بشغف وحب، لكن في الحقيقة، ما أود لفت النظر له أن الشغف يجب أن يكون المحرك رقم إثنين بعد اختيار الفن أو إتقان العمل أيًا كان. الشغف يجب أن يكون الوسيلة، وليس الغاية.

    مشكلة تحديات العالم المعاصر في مصاريفه والتزاماته ومنافساته الشرسة أنها لا تحتمل أن ينغلق الإنسان على نفسه بحجة معرفة الشغف. لأن هذه القناعة قد تجعلنا ببساطة أكثر كسلًا وأقل تقبلًا للفرص الجديدة، بل قد تحدد حدود منطقة الراحة في حياتنا، والتي قد تجعلنا ببساطة «شوية تنابل» لا يملكون أي استجابات للتغيرات الحية حولنا.

    بعد اكتشاف الفضول، ومعرفة الطريق الذي سيؤكلك ويشربك، ابحث عن الشغف. أو بلُغة أخرى، استخدمه ليوقِظك كل يوم من السرير، لتكمل حياتك وتمارس عملك به. وليس العكس!

    مشكلة هذه النصيحة (اتبع شغفك)، أنها أحيانًا إن طُبقت بإخلاص سوف يكتشف الإنسان بعدها بعشرات السنين أنه قد أضاع الكثير من الوقت في عدم وجود تطور واضح وصريح في حياته. وهو شعور سيء لا يود أحد أن يمر به. وتجعل هذه النصيحة الإنسان يميل «للبوهيمية» أكثر، ولعدم الاكتراث للحياة بشكل فعّال؛ لماذا؟ لأنه سيقيس كل مستويات حياته بمعيار واحد يعتقد أنه هو الأصح، وهو معيار الشغف. في الوقت الذي تتوسع في المجالات والمواهب المستحدثة، وتطور العالم إلى مستويات شاطحة من الإبداع والتكنلوجيا والفرص، والتي لم يجرب أي فضول له فيها.

    ربما أميل هنا لسلوك آخر قد يكون جزء من حل معضلة هذه النصيحة، وهو استمرارية العمل المتواصل كل يوم، ودون توقف. داخل ما نعتقد أنه شغفنا. مع ترك مساحة كبيرة تجعلنا «نسترزق» ونبحث عن المزيد من أنفسنا. ونستمر طبعًا بسؤال أنفسنا السؤال الذي هَريَت الناس به: «متى كانت المرة الأخيرة التي جربت فيها أمرًا للمرة الأولى؟»

    الشغف حسب المفهوم السائد هو عدم الاكتراث لأي شيء آخر غير الشغف!

    وهو زيادة مساحة البوهيمية في كل جوانب الحياة.

    الحياة لا تحتاج مثل هؤلاء مع الأسف. الحياة تحتاج للمزيد من العمل.

  • التواصل الإلكتروني حتى في أوقات الفلة

    تأثر الجميع مع إدمان التواصل الاجتماعي أصبح تقريبًا من المواضيع المستهلكة. وخطورة التكنلوجيا على الأطفال تكاد لا تكون خطورة من كثرة الحديث عنها! … إلا أنني أتناول اليوم فقرة استوقفتني بعد أن سمعت عنها.

    وهي قصة حضور زوجة صديق عزيز لإحدى الحفلات النسائية. والتي وصفتها بالمختصر كالتالي: «كان جميع الفتيات يرقصون؛ يرقصون مع هواتفهم، لمشاركة المتفرجين على سناب ليلتهم!». وقد أبدت امتعاضها بأن الجميع تقريبًا لم يكونوا حاضرين … ذهنيًا.

    كان جميع الفتيات في الحفلة يبحثون عن أنفسهم من خلال عيون الأخريات على سناب شات. ربما كانوا يريدون أن يخبروا أنفسهم والآخرين أنهم رائعين. يحضرون حفلة ما في مكان ما في هذا العالم، «ويتشيكون آخر شياكة» كما نقول بالعامية. وبالطبع البحث عن مكان في المكانة.

    ربما اسأت اختيار العنوان ليكون «التواصل الإلكتروني …» والذي كان يجب له أن يكون الاستمتاع بالواقع غير الواقعي. أيًا كان واقع الواحد فينا.

    قررت مؤخرًا أن أُكثِّف اتصالاتي الهاتفية عوضًا عن إرسال رسائل الواتساب قدر المستطاع مع الآخرين. والسبب أنني لازلت كما تحدثت سابقًا أعاني من نقص الواقعية في التواصل وزيادة معيار الإلكترونية من خلال قنوات التواصل الاجتماعي. ببساطة وددت أن أسمع صوت الطرف الآخر من المكالمة، وبالطبع أود أن أشعر بابتسامته أو بغضبه الحقيقي. وقبل هذا القرار، قررت محاولة الاستمتاع بالواقع الواقعي.

    إلغاء تصوير اليوميات أول خطوة.

  • محمد هشام حافظ

    عندما بدأت ممارسة عادتي – شبه اليومية – بإزعاج مشتركي المدونة من خلال المقالات. لم يكن عدد المشتركين قد تجاوز الثلاثين مشترك في السنة الأولى، في الوقت الذي قرر فيه أخي وصديقي العزيز محمد هشام حافظ، الالتزام بقراءة كل كلمة أكتبها في صفحتي. ولا أعتقد جديًا أنه يقرأ بدافع المجاملة، قدر إيمانه بقضيتي وبكتاباتي والمواضيع التي أتحدث عنها. وهو يكاد يكون الوحيد الذي قرأ كل كلمة كتبتها في حياتي. يختلف مع القليل ويتفق ويتناقش عن الكثير. يتميز بحبه الشديد للقراءة، واعتناءه الساحر بصحته الجسدية والنفسية. ناهيك عن انضباطه الذي يجعلني باستمرار أخجل من نفسي.

    ظروفه المكانية أجبرتني على سرعة الانسجام مع تواصلنا الهاتفي اليومي الذي يتجاوز معظمه الخمسة وأربعين دقيقة. فليس للبعيد سوى بُعد المسافة!

    منذ أن كُنت في سنِ صغير، لم أتقبل أبدًا فكرة أن يكون لأي شخص «صديق وحيد مقرب». فهذا المفهوم يساهم بتعزيز أحد أهم الجوانب المظلمة في الإنسان، وهو: حب التملك, والتأكيد على الخصوصية غير المبررة. فالحب والمعزة والتقدير مشاعر مثل البئر، أكبر من أن تُستنزف في شخص واحد، لكن يعيش الإنسان بها حياة أفضل، لتزداد جمالًا بشكلٍ متوازي.

    لدي كبقية من هم في عمري الكثير من الأصدقاء، وأفتخر بوجود الكثير ممن أستشيرهم في حياتي عندما تأتي ساعات البؤس، وطبعًا القليل من الأصدقاء المقربين جدًا وكل واحدٍ فيهم يعلم أنه أحد المقربين دون ذِكر الأسماء، أو كما قال أحدهم بوصفه «هم أهلك الذين اخترتهم ولم تولد معهم»، وبالتأكيد محمد أحدهم.

    قررت استثناءً تخصيص مقالة اليوم للتعبير عن مفهوم الصداقة لسببين، الأول: وهو سبب عام، بأن أدعو القارئ الكريم بزيادة الامتنان والتقدير لأصدقائه وأحباءه. مع دعوة صريحة لإخبارهم بمكانتهم بأي طريقة كانت، ولا أعرف في حالتي أفضل مما أدعي معرفته في الكتابة.

    والسبب الثاني: وهو سبب خاص بأخي محمد، تقديرًا لدعمه غير المنقطع لهذه الصفحة وكتاباتها، ولي شخصيًا. وطبعًا تذكيره أن الظرف المكاني الذي وضعه بعيدًا عن أحباءه وأهله، لن يغير شيء في واقع هذه الحياة في مكانته.

  • الكثير من الوقت والقليل من الانتباه

    … ربما تكون مشكلتنا في هذا العصر. فالعالم إن تطور، فهو قد تطور ليأخذ المزيد من الانتباه بعد أن يعطيك الكثير من الوقت، لتعطيه للكثير من التشتُت.

    الانتباه عملة العصر، وليس الوقت أو الجهد.

    كلما أعطيت الانتباه الكثير من الحرص، سيفيض لديك جهد ووقت حقيقيين.

  • للمرة الأولى: حواري عن الكتابة، العاطفة، وشباب العالم العربي

    أنشر هنا حواري (الأول كتابيًا) مع منصة «استكتب». هم شباب طموحين وصادقين في مبادرتهم. أتمنى أن يضيف الحوار للقارئ العزيز ولو الشيء القليل.


    كيف هي الحياة عندما تصل إلى الثلاثين؟

    تساؤل افترضه وأجاب عنه في مقالته الماتعة (عمر الثلاثين) يسرد فيها رحلته الثلاثينية لتأتي على هيئة تلخيص لسيرة شاب سعودي، من أبناء المدينة المنورة وسكّان جدة، وأب للبنات. كرّس شغفه في الكتابة عن العمل والفن وسيكولوجيا الإنسان، وشحذ طاقات الشباب في الكتابة، محاذراً الاقتراب من ميادين السياسة والجدال الديني.

    مؤلف وكاتب شبه يومي في صفحته، له أكثر من خمسمئة وعشرون مقالة منشورة وحتى كتابة هذه السطور. صدر له ثلاثة كُتب (ثورة الفن كيف يعمل الفنان وكيف يعمل الآخرون، ومدوان: عن العمل والفن وسيكولوجيا الإنسان، وإصداره الأخير وهم الإنجاز: كيف يتحرك العامة وماذا يحفزهم)

    ضيف برنامجنا «لقاء في استكتب»، هو الكاتب المبدع أحمد حسن مشرف، فأهلا ومرحبا بك.

    • أحمد مشرف، كيف بدأت رحلتك في الكتابة، ومن وما الذي جعلك تبدأ، ومن الذي شجعك لتستمر؟

    حقيقًة كُنت أكتب منذ سن صغير، وكمشكلة الكثير من أبناء المجتمعات العربية، فإننا ننسى أنفسنا وفنوننا عندما نكبر. حتى عُدت لاكتشاف حبي للكتاب عام ٢٠١٣م (بالصدفة). عندما انتهت شراكتي من إحدى الشركات التي شاركت/عملت فيها -لأسباب يطول شرحها هنا- ولأقوم باستثمار الكثير من الوقت الفارغ في حياتي الجديدة بالكثير من القراءة (ومجالسة طفلتي سيرين)، وهذا ما قادني لمحاولة الكتابة، ومنها لقرار الانتظام فيها عبر نشر مقالات يومية.

    بدأت بمقالة ثم اثنتين حتى وصلت لمقالتي رقم مئة، وبعدها قررت المباشرة في كتابة كتاب ثورة الفن.

    الذي شجعني للاستمرار، كان أولها باختصار اكتشافي أن الآخرين قد «أعطوني وجه» وبدأوا بقراءتهم لمقالاتي التي كُنت أكتبها في مدونتي. وثانيها، قراءتي لكتابين هم On Writing  للكاتب العظيم ستيفن كينج وكتاب The War of Art للعظيم الآخر ستيفن بريسفيلد. واللذان جعلوني أستوعب أن الكتابة عبارة عن حِرفة، وليست موهبة كما يعتقد الأغلبية من العامة. وأدّعي النجاح في تطبيق ما أقوله دومًا لأحبتي وأصدقائي «متى كانت المرة الأخيرة التي جربت فيهًا شيئاً للمرة الأولى؟» …  وقد جرّبت الكتابة، ومشى الحال معي.

    • في إحدى مقالاتك قلت بأن 70% من مقالاتك كتبها على الجوال، فهل هذا يعني أنك انعتقت من القلم؟

    إذا كُنت تقصد القلم الفيزيائي (الحبر) فالإجابة المختصرة: نعم؛ أستخدمه في كتابة ملاحظاتي فقط على دفتر الملاحظات الخاص بي.

    كتابة نص طويل كمقالة أو كتاب بالقلم الحِبر ثم تحويله على الكمبيوتر عبارة عن مضيعة للجهد والوقت في رأيي، لأنه سيشغل الكاتب برسم الحروف عوضًا عن تفريغ الأفكار والكلمات. [أنا من فئة الناس التي تميل أكثر للتكنلوجيا بشكل عام].

    وبخصوص استخدامي للهاتف الجوال بكتابة ٧٠٪ من مقالاتي، هذه المعلومة دقيقة حتى عام ٢٠١٦م، لأنني استبدلت آنذاك هاتفي الآندرويد بآيفون، وتطبيق المدونة على الهاتف الأخير ليس مريحًا بصراحة. مما اضطرني لاستقرار كتاباتي على الكمبيوتر معظم الوقت.

    حرصي على ذِكر هذا الأمر، هو محاولة إقناع الأحبّة من الكُتّاب المبتدئين مثلي، أن عادة الكتابة يمكن أن تُحقق، سواءً على الكمبيوتر أو الهاتف الجوال، العنصر الأهمّ هنا في المعادلة هو الاستمرار.

    • آثرت الكتابة عن سيكولوجية الإنسان وابتعدت عن المشاكل الاجتماعية، ألا ترى أن المشاكل الاجتماعية مهما كان شكلها، هي جزء من «الإنسان»؟

    الصُحف الورقية وحسابات التواصل تُغطي معظم مشاكلنا الاجتماعية، وأميل في هذا الصدد أكثر لتحليل ما خلفها. على كل حال، أحرص دومًا على سؤال نفسي «هل المقالة التي أكتبها الآن تصلح لأن يقرأها القارئ بعد عشرة سنوات؟» إن كانت الإجابة نعم، فإنني أكتبها، وأخشى أن حالات كثيرة لا يمكنني إسقاط هذا الأمر على مشاكلنا الاجتماعية الدارجة.

    • هل الكتابة بالنسبة لك مهمة منضبطة بعامل الوقت أم الإلهام؟

    انتظار الإلهام هو حجة الكسالى والخائفين. الانضباط في الكتابة هو كل شيء. أو كما تقول دوروثي باركر «الكتابة: هي فن وضع المؤخرة على الكرسي».

    عدد الكلمات هو المعيار الأهم في حياة الإنسان الذي يكتب. وأحرص على ألا أنزل عن عدد ٥٠٠ كلمة أكتبها أو أدققها يوميًا.

    ٢٠٠٠ كلمة، هي الرقم الذي يشعرني بالرضا عندما أنجزه في يومي العملي.

    • ما هو تقييمك لمستوى الكتّاب في السعودية خاصة؟

    سأفترض أنني واقعي أكثر من كوني سلبي إن قلت رأيًا مفاده أن الوضع العام للكُتاب في السعودية (والخليج بشكل عام) سيء وغير مرضي لي كقارئ بصراحة. فالكثير من الكُتاب الشباب من وجهة نظري لا يحرصون على صرف المزيد من الجهد والوقت في إخراج كتاباتهم التي يغلب عليها الخواطر والسجع والنصوص المتناثرة، بعيدًا عن التركيز في خلق روايات مكتملة الأركان، أو كتابة كُتب بحثية عميقة. وعوضًا عنها يتجهون للتركيز على إخراج كُتب لمجرد النشر، بحثآ عن مكانة اجتماعية إضافية. وقد وثقت رأيي الكامل لهذا الأمر في عدة مقالات كان أهمها (لماذا تمتلكني رغبة بالتوقف عن قراءة الكُتب العربية؟).

    • ما هي رؤيتك لمستوى المحتوى العربي؟

    يعجبني جدًا أداء الكُتاب في دولة مصر (خصوصًا الشباب)، إلا أن التحدي الأكبر في رأيي يكمن في ضعف نقاط البيع لديهم (حسبما سمعت يوجد في مصر أقل من خمسين فرع لمكتبات تبيع لأكثر من ثمانين مليون نسمة)، وانخفاض العُملة، وهذا ما يخلق تحدٍ كبير في قدرة الكاتب هناك بالاتجاه للكتابة كمصدر دخل رئيسي. ناهيك عن حجم التزوير الكبير لديهم ولدى بعض الدول العربية. سوق مكتبات دول المغرب العربي والشام غير مرتبة من ناحية هيكلية، ودول الخليج مجتمعة (باستثناء السعودية) لا تمثل سوق أو قوة شرائية كبيرة بالنسبة للكاتب، وهذا ما يشكل تحدٍ كبير لخلق المزيد من المحتوى إن قارنّاه مع سوق الولايات المتحدة شديد التنظيم عالي القوة الشرائية (أكثر من ٤٠٠ مليون نسمة) يتحدثون بلغة ولهجة واحدة تقريبًا. ولا تنس أن أغلب دول العالم تستطيع امتصاص المحتوى باللغة الإنجليزية!

    الكاتب (حتى المبتدئ) يملك فرص مضاعفة للنجاح إن كان يكتب باللغة الإنجليزية، عن قرينه باللغة العربية.

    رؤيتي – مع الأسف – ليست واضحة، لكن ربما أقول بشكل حزين أن المحتوى العربي القرائي غير متطور بالمقارنة مع المحتوى باللغة الإنجليزية، والذي يمكن لك الوصول إليه بعدة طُرق من خلال مواقع البيع كأمازون وجهازهم (كيندل). وطبعًا، قضية التعامل مع دور النشر العربية قصة حزينة أخرى، لا داعي لذكرها هنا.

    • لقد جعلت سرعة التصديق وسرعة الإنكار إحدى علامات السذاجة، فما هو سبب انتشارها بكثرة – لاسيما في وقتنا الحالي – وما هو الحل أمام المحتوى الذي يعبر عن مستويات متدنية من الدقة والتوثيق في العالم العربي؟

    سببين لانتشارها في رأيي: أننا كعرب عاطفيين بطبعنا أكثر من كوننا عقلانيين، وسرعة التصديق أو الإنكار تتواءم جدًا مع هذه الطبيعة، والتي إن سمعنا فيها رأيًا يلائمنا سرعان ما نصدقه ونبتلعه، والعكس صحيح. أو كما يقول جوستاڤ لوبون: «العامة لا يتعطشون أبدًا لمعرفة الحقيقة، ولا يلتفتون للحقائق التي لا تُناسب ذوقهم. يفضلون تعظيم الخطأ؛ إن كان الخطأ أكثر إغراءً لهم».

    مستويات التدني في دقّة التوثيق يعود إلى سببين لا ثالث لهما، الأول هو السبب الذي قلته قبل قليل، والثاني ربما أعوزه لكسل كاتب المحتوى عن التمحيص والبحث، في عالم سريع جدًا كالذي نعيشه، ليكتفي بنثر آراء مجردة.

    • في مقالتك الأخيرة عن ساعة الحقيقة، تحدثت عن نقطة المواجهة والمصارحة، برأيك لماذا يفتقد عالمنا العربي إلى الشفافية والصراحة، حتى في أصغر المشاريع، والذي يعد عائقا حقيقياً أمام الدفع بعجلة التطوير وسد الثغرات على جميع المستويات؟ ولماذا تفتقر ساحات الكتابة لمقالات جلد هذه المظاهر؟

    نفس إجابة السؤال السابق!

    • في كتابك ثورة الفن، أشرت إلى أنه يوفر فسحة للانعتاق من عبودية الوظيفة، فهل هذا يعني أنك من أنصار العمل الحر؟ وما هي النصائح التي توجهها للشباب العربي في هذا المجال؟

    لا لستُ أبدًا ضد الوظيفة. وهذا مع الأسف أحد الأمور التي أُسيء فهمها من الكتاب. أنا ضد تأدية العمل دون روح كالآلات. وشجعت من خلال الكتاب تبني مفهوم أداء العمل كالفنانين بتفاصيل كثيرة، سواءً كنت في وظيفة، أو عمل حر، أو تمارس فنًا معيناً.

    نصيحتي: أن يقرؤوا كتاب ثورة الفن ووهم الإنجاز  ?

    • في كتابك «مدوان» جمعت أبرز ما تناولته مدونتك من مقالات، فهل سيكون لهذا الكتاب إصدار آخر كنوع من “التحديث”؟

    سؤال صعب جدًا، لأن كتاب مدوان لم ينجح بكل صراحة (وقد كنت متهيئاً لهذا الأمر نفسيًا) فقد وجدت أن القارئ الكريم لا يميل كثيرًا إلى كتب المقالات.

    لكن الله أعلم عن المستقبل!

    • قلت بأن الفن سلوك، فما هي معايير سلوكيات الكاتب؟

    الانضباط الانضباط الانضباط … بالكتابة اليومية. وبعدها كل شيء سيكون أسهل.

    • بعد أن دفعت العولمة كثيرا من الكُتاب والمثقفين لمواجهة السوق بمفردهم، هل ترى أن حضورهم تعزز أم تراجع، خاصة في ظل البدائل التكنولوجيا؟

    تعزز طبعًا، لم يكن بمقدوري نشر كتاباتي بسهولة قبل خمسين سنة إن لم أستطع إقناع الصحيفة الفلانية أو دور النشر الفلانية بنشرها. وها أنا اليوم قد نشرت أكثر من خمسمئة مقالة دون إذن من أحد، وعلاقاتي مباشرة مع قرائي الأفاضل دون وجود جهة في المنتصف. ولعلّ التحدّي الأكبر أن البقاء سيكون للأقوى على أيّة حال.

    • المحاضرات المرئية والكتب المسموعة، هل أسهمت في تعزيز الوعي الثقافي والرفع من المقروئية أم لا يزال العزوف عملة رائجة في أوساط الشباب؟

    أسهمت بشكل لا يمكن تخيله، فهي البديل الأول للقراءة إن حسبناها كذلك. يجب أن نستوعب أننا لا نمرّ بأزمة ثقافة أو نقص معلومات، فالإنترنت مفتوح، ويوتيوب يعلمك كل شيء. أزمتنا الحقيقية في الحفاظ على عدم التشتت والتركيز، وصرف المزيد من الوقت على أمور مهمة تخلق لنا قيمة.

    شخصيًا أنا من أكثر الأشخاص الذين يستمتعون بسماع الكتاب الصوتي بالمناسبة.

    • مشروعك القادم هو «وهم الإنجاز» كيف يتحرك العامة، حدّثنا عنه.

    تم بحمد الله استخراج الفسح وطباعة الكتاب، وسيكون متوفرًا بحول الله في أواسط شهر يوليو ٢٠١٨م في معظم نقاط البيع في المملكة والخليج. يتحدث الكتاب عن سلوكيات أطلقت عليها مجازًا وهم إنجاز، وفرقتها عمّا أسميته «العمل الحقيقي». وهو كتاب بحثي عن جوانب عديدة من ناحية اجتماعية ونفسية، أعتبره لحدٍ كبير مكمل لكتاب ثورة الفن.

    • ما هو رأيك بمنصة استكتب، وما هي نصائحك لها؟

    أتمنى لكم التوفيق من قلبي، وأشجع على الاستمرارية، ولعلني أجد أهم عنصر لكم في صناعة أو تدقيق أو خلق أي محتوى كتابي وهو الحقيقة. إياكم والتحذلق، وابتعدوا عن الألفاظ الرنانة والشعرية التي في غير محلها، أيًا كان محتواكم الذي تعملون فيه.

  • السر الأكبر الذي تعلمته في صناعة فنون فاشلة

    اتصل علي في أحد الأيام أحد الإخوة الأفاضل الذين يعملون في إحدى أكبر المكتبات في المملكة ودول الخليج، كان اتصاله يحمل موضوعين: الأول هو طلب المزيد من نسخ كتاب «ثورة الفن». والموضوع الثاني: توبيخي على سوء حركة كتابي الثاني «مدوان» والذي لم يُباع منه أكثر من ثلاثمئة نسخة. أذكر أنه قال لي حرفيًا «ما يصحش يااحمد، الكتاب مُش راضي يمشي خالص … اتصرف!».

    بررت هذا الأمر، أن الفنون بشكل عام تحتمل الفشل أكثر من احتمالها للنجاح. وأن سُنة الحياة تجبرنا كثيرًا على الاقتناع بالنتائج أيًا كانت، كنتيجة عدم سيران كتاب «مدوان».

    ما يجعل الفنان يستمر هو ضرورة إقناع نفسه بأن معظم ما سينتجه لن يكون محل تقدير. ودائمًا أكرر على نفسي وأكرر على أحبتي الكُتاب (والفنانين عمومًا) أهمية الاقتناع أن سقف التوقعات يجب أن يُكسر. وقد هيأت نفسي لهذا الأمر مع كتاب مدوان. وهيأت نفسي للمزيد من الأعمال والجهود.

    الجمهور غير مدين لأحد. والفنان لا يستحق التقدير إن لم ينتج شيء يؤثر أو يغير من حياة شخص ما في مكان ما.

    تعلمت أنك عندما تصنع أي شيء (كتاب، لوحة، ساندويتش همبرجر، خدمة أو أي منتج) فإنك يجب أن تعرف كيف تبيعه على الأقل لصديق واحد. وعندما تبيعه انتظره وراقبه عن بُعد. واسأل نفسك السؤال التالي:

    • هل سيخبر على الأقل عشرة من أصدقائه عن منتجك؟ .. وإن كانت الإجابة نعم. هل سيخبرهم دعمًا أو مجاملًة لك؟ أم لخدمتهم هم؟!

    هل سيأتي إليهم ويقول للواحد فيهم «تفضل، هذا منتج لصديقي فلان، سيغير حياتك، أو ربما سيعجبك، أرجوك اعطه فرصة». أم سيقول: «تفضل، هذا منتج صديقي فلان، أرجوك اقبله أو اشتريه دعمًا له».

    إن كان السيناريو الثاني هو الذي سيقوله، فإن منتجك أو فنك لن يستمر. ببساطة. وعليك المحاولة مرة أخرى.

    هذا هو السر الأكبر الذي تعلمته …

    أن تتعب كثيرًا على منتجك أو فنك أيًا كان، ليُفيد الآخرين، وليس لإخبارهم أنك تعبت عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى