الشهر: مارس 2022

  • ليست بالسهولة التي تتوقعها

    هي معظم التفاصيل في حياتنا.

    أحاول الالتزام في برنامج رياضي على اليوتيوب، أرفقت المدربة ملف PDF تشرح فيه بعض الخطوات التي يجب أن نأخذها في عين الاعتبار قبل وأثناء التمارين. لفتتني نقطة واحدة فقط:

    «لا تتوقع أن تكون بعض هذه التمارين سهلة، هي صعبة، صعبة حتى عليَ أنا المتمرسة في الرياضة، كُنت أود أن أخبرك أنها سهلة ويؤسفني أنها ليست كذلك. لكن حاول أن تستشعر إحساس الإنجاز بعد الانتهاء منها، ستكون فخورًا بنفسك».

    تحدثت في مقالة قبل عدة سنوات عن مصطلح أسماه والدي المرحوم «الآلام المنسية»، وهي الأحاسيس المؤلمة وقتها وتشعرنا بالسعادة بعدها. مثل آلام الولادة عن الأمهات، بمجرد أن يروا أطفالهم، تصبح أحاسيس الألم من الماضي، تطغى نتيجة الألم في وجود هذا الطفل على كل تلك الأحاسيس التي كانت مزعجة ومؤقتة. والمميز أن أحاسيس السعادة قد تمتد لوقتٍ أطول بكثر في عقولنا من الألم.

    أذكر جيدًا إنني أخطأت وخسِرت في الماضي، ولكن امتداد الامتنان والسعادة بأنني أصبحتُ إنسانًا أفضل شعور أجمل بكثير. وفيما يخص المستقبل، سيكون من غير الواقعي أن أتوقع أن الأمور التي ستواجهني سهلة، ولا بأس في ذلك طالما أن الإنسان قد خُلِق جزء منه من النسيان.

  • الشباب أم الشيّاب في العمل؟

    إن أمسكت أي شخص في الشارع وسألته عن أهمية دور الشباب في نمو الشركات أو القطاعات الحكومية وجلب أفكار ابتكارية وابداعية، وعن نشاطهم غير المنقطع وقدرتهم على التحمّل، سوف تتوقع أن الإجابة هي بوضع المزيد من الثقل على الكلام المذكور، وبأن «الدماء الجديدة» هي التي تساهم في التغيير والنمو بدلًا من «العقليات القديمة» أو «الديناصورات» كما نحب نحن الشباب أن نُطلِق عليهم.

    في رأيي أن هذا الكلام يحمل جزءً من الحقيقة.. نصف حقيقة.

    نأخذ مثالًا في عالم الأعمال، سأل صديقي العزيز خليل والده (أحد المقاولين المرموقين) عن الخطأ الذي إن عاد به الزمن لتصحيحه في مسيرته المهنية التي تجاوزت الأربعين عامًا ماذا سيكون؟

    «تمتين العلاقات الإنسانية أكثر مع الأخرين.. وتقوية العلاقة بوجهٍ أخص مع البنوك!».

    «البنوك!» لا تظهر أصلا على خريطة معظم شباب الأعمال في بداياتهم المهنية، هي مجرد حصالة نقدية نضع فيها الأموال ونسحبها منها. وما كان يحاول قوله أبو خليل: أن تقوية العلاقة مع البنوك قد تختصر الكثير من الطُرق في مسيرة بناء الأعمال عبر الاستفادة من التسهيلات المقدمة منهم، ناهيك عن فِهم لغتهم ومخاوفهم وحساباتهم.

    ونرى بوضوح أن إمكانية هز رأس الشاب عن أهمية «السمعة المهنية» في بداياتهم في وادٍ وأن محاولة الحفاظ عليها شيءٌ آخر تمامًا، مما يستدعي في بعضٍ من الأحيان اتخاذ شاب الأعمال خطوات جريئة ضد الآخرين أو الموظفين أو قطع علاقة ما أو الذهاب إلى خطوات مهنية لا رجعة فيها لاعتقاده أن المستقبل أمامه، ولا نتائج تتحقق دون أخطار (كاتب هذه السطور وقع في هذا الفخ قبل عشر سنوات).

    «أميركا (ونحن) لا تحتاج للذكاء؛ تحتاج لمزيد من الحكمة»

    يعلق الكاتب آرثر بروكس، والذي يُشير إلى خطورة وقوع حب المجتمعات في شباب السيلكون فالي الذين في أحيانٍ كثيرة لا يستوعبون مخاطر المنتجات التي بنوها دون أن يعلموا كيفية إصلاح عيوبها، أو كما يصفها:

    «ينظر أصدقائي الأكبر سنًا في مجال الأعمال بدهشة إلى الأخطاء التي يجدونها واضحة. وهنا يكمن حل المشكلة: كما أجادل في كتابي (من القوة إلى القوة: العثور على النجاح والسعادة والغرض العميق في النصف الثاني من العمر)، تحتاج الشركات إلى توظيف المزيد من كبار السن في صفوف قيادتها. لتعزيز الابتكار والنجاح الذي يدوم، تحتاج أمريكا إلى أكثر من الابتكار؛ تحتاج إلى الحكمة.»

    الابتكار والابداع مهمين في عالم الأعمال، ولكن مستوى بسيط منهم مع ضمان استمراريتهم بوتيرة صغيرة أهم بكثير من حِزمة ابداع لا منتهية دون وجود صمام أمان من الحكمة يجعلها تستمر. ويعلّق بروكس في هذا الشأن:

    «في منتصف القرن العشرين، شرع علماء النفس في إيجاد تفسير لغموض عظيم. لاحظ الباحثون منذ فترة طويلة أن بعض المهارات – التحليل والابتكار، على سبيل المثال – تميل إلى الارتفاع سريعًا في وقت مبكر جدًا من الحياة ثم تنخفض خلال الثلاثينيات والأربعينيات من العمر. وفي الوقت نفسه، فإن موهبة المرء في الجمع بين الأفكار المعقدة، وفهم ما تعنيه، وربطها بالآخرين، ترتفع في منتصف العمر ويمكن أن تظل مرتفعة حتى سن الشيخوخة.

    كان التفسير الذي ظهر – والذي تم قبوله بشكل عام في البحث خلال العقود الفاصلة – هو أن مجموعتي المهارات تنبعان من نوعين أساسيين من الذكاء: السائل والمتبلور. الأول، وفقًا لعالم النفس البريطاني الأمريكي ريموند كاتيل في كتابه الصادر عام 1971 بعنوان القدرات: هيكلها ونموها وعملها، هو في الأساس القدرة على حل المشكلات المجردة. والثاني يمثل معرفة الشخص المكتسبة خلال حياة التعلم. بمعنى آخر، كشخص بالغ، يمكنك حل المشكلات بسرعة؛ كلما تقدمت في العمر، ستعرف المشكلات التي تستحق الحل. يمكن أن يكون الذكاء المتبلور هو الفرق بين مؤسسة بدون ذاكرة ترتكب الكثير من الأخطاء المبتدئة وتلك التي لديها خبرة عميقة – حتى لو كانت الشركة جديدة تمامًا.»

    ما يقوله بروكس لا يخرج أهمية استيعاب أن «الشيّاب» لا يعرفون حل المشاكل بشكلٍ أسرع فحسب، بل ما هي المشاكل التي تستحق أصلًا سرعة الحل.

    وبلغة الإنتاجية هذا ما يُفسّر معادلة الوقت المنخفض الذي يصرفه الخبير في عمله مقارنة مع المستجد والذي يتقاضى عليه مبلغًا أقل بكثير. تكاليف الخبير المرتفعة ليست لقدرته الخارقة في الابداع بالضرورة، إنما لتجنب أخطاء قد تكون أكثر كلفة من راتبه. تكاليف الخبير لحكمته وليس لحماسه.

    ويضيف بروكس:

    «يميل الأشخاص الذين يتنقلون بنجاح في حياتهم المهنية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من العمر إلى الاعتماد أكثر فأكثر على قدراتهم لتجميع المعرفة ومقارنة الحقائق الحالية بأنماط الماضي وتعليم الآخرين. هذا هو الذكاء المتبلور، ويعرف أيضًا باسم دماغ «الدالاي لاما». عند استخدامه بشكل صحيح يمكن أن تكون هذه القدرات أكثر قيمة من الناحية المهنية من نظيراتها السائلة (التي يتميز بها الشباب).

    في ثقافة واقتصاد يهيمن عليهما الشباب، تميل الشركات والأفراد إلى زيادة وزن أهمية الذكاء السائل وتقليل الذكاء المتبلور. نطالب بمنتجات جديدة واختراعات مذهلة، ولكن نتجاهل التجربة التي ستخبرنا بها هي آثارها على شركاتنا وثقافتنا ورفاهيتنا. يكمن هذا التحيز وراء التفرقة العمرية في التكنولوجيا والعديد من أجزاء الاقتصاد الأخرى. ولكن الأسوأ من ذلك، أنه يفسر لماذا نحن بارعون جدًا في إنشاء أشياء جديدة تفرط في الوعود وتقلل الإنجاز عندما يتعلق الأمر بالسعادة.»

    المصدر:

    The Kind of Smarts You Don’t Find in Young People By Arthur C. Brooks

  • الحد الأدنى من الهراء

    قرأت لستيفن بريسفيلد وهو يحكي عن تجربته في السكن المتنقل عندما كان شابًا:

    كان الأشخاص في هذا المنزل الذي يقع في منتصف الطريق، الذين اعتدنا أن نتسكع في مطبخه ونتحدث حوله طوال الليل، من بين أذكى الأشخاص الذين قابلتهم على الإطلاق وأكثرهم تسلية وإثارة للاهتمام.

    وما استنتجته من التسكع معهم ومع الآخرين في نفس الوضع هو أنهم لم يكونوا مجانين على الإطلاق [في اختيارهم لنمط الحياة الصعب في التنقل وهم يسكنون في القاطرات]. كانوا في الواقع أشخاصًا أذكياء والذين رأوا في حياتهم [المهنية] هراءً لم يتحمّلوه. وبسبب ذلك، لم يتمكنوا من العمل.

    لم يتمكنوا من شغل وظيفة لأنهم لم يستطيعوا تحمل الهراء، وهذا ما انتهى بهم المطاف كجماعات مستقلة. أصبحت المجتمعات الأخرى تنظر إليهم أنهم: «حسنًا، هؤلاء الناس مرفوضون تمامًا. لا يمكن أن يتناسبوا معنا». لكن في الواقع كانوا في الواقع الأشخاص الذين رأوا كل شيء على حقيقته.

    تعليقي:

    توجد في حياتنا الكثير من الأمثلة لأشخاص فضّلوا الانعزال، أو ترك الوظيفة المحترمة، أو مقاطعة الآخرين، أو ترك العائلة وحياتهم الاجتماعية؛ أو فضّلوا اختيار طريق غير مريح لكنه يشعرهم بالرضا، هذا الرضا الذي ينقلب كتأنيب نفسي أحيانًا، وكتذكير أحيانًا أخرى يقنعون أنفسهم به أنهم يعيشون أفضل حياة.

    لكن هناك بديل ثالث..

    وهو ما أسماه مورجان هوسل «المقدار الأمثل من المتاعب». بأن يحاول الإنسان البحث عن أقل قدر من المتاعب النفسية مقابل مردود لا بأس به، تزداد قيمته على المدى الطويل.

    إذا أدركت أن الهراء في كل مكان، فإن السؤال ليس «كيف يمكنني تجنب كل ذلك؟» ولكن: «ما هو الحد الأقصى لتحمله ويمكنني المضي قدمًا والعمل في عالم فوضوي غير كامل؟

    شخصيًا أعتقد أن مهمة الإنسان طيلة حياته بأن يركز على الأهداف طويلة الأمد وأن «يختار الألم المناسب والمؤقت على أقل تقدير» ليعيش حياة سعيدة.

    يظهر الألم المناسب مع محاولتنا للتعايش يومًا بيوم مع «الحد المعقول من الهراء».

    أما الانعزال التام أو الرفض التام لا يساعدنا في شيء.

    وعندما كنت أقول للفنانين الشباب أن «ألم تنظيم الوقت في وظيفة مملة من أجل ممارسة ما أحب حولها، أقل من ألم نقص المال ومد اليد للآخرين» لم أكن أمزح.

  • التاريخ لا يزحف، التاريخ يقفز

    في مقالة قصيرة وعظيمة للكاتب مورجان هوسل، يشرح تأثير الأخبار الكُبرى المتداولة في الإعلام بوصفه:

    هناك «دورة صدمة» لجميع الأحداث الإخبارية الكبيرة. تذهب لتكون حسب الترتيب التالي:

    • افترض أن الأخبار الجيدة دائمة.
    • تغافل الأخبار السيئة إن حصلت.
    • تجاهل الأخبار السيئة.
    • نفي الأخبار السيئة.
    • الذعر من الأخبار السيئة.
    • تقبل الأخبار السيئة.
    • افترض أن الأخبار السيئة دائمة.
    • تجاهل الأخبار الجيدة.
    • أنكر الأخبار السارة.
    • تقبل الأخبار السارة.
    • افترض أن الأخبار الجيدة دائمة.

    ألا يُذكِّر هذا الترتيب القارئ الكريم بشيء؟

    هذا الترتيب لا يشمل الأوبئة وحدها، إنما قرارات الحروب والمشاكل الاقتصادية، الهجرة، ونقص المؤن، واستيعاب أن هناك الكثير من الأمور قد تغيّرت، وافتراض أن الأخبار الجيدة دائمة لا يلغي فكرة أن جزءً من الأخبار السيئة لن يختفي من الوجود (إن اختفت الكورونا فلن يختفي التطعيم).

    الأخبار السيئة المتداولة (في النقطة الثانية) عادة ما تكون صادمة، سريعة، ومفاجئة، والأحداث التي تليها كما يصفها السيد عمار «مثل فرط حبات اللؤلوء» ما إن تحاول أن تمسك إحداها حتى تجد البقية قد انتشرت في الأنحاء.

    الأخبار التي تصل إلى العوام بصدماتها، تكون قد أعطت تأثيرها للخاصة قبلها..

    «في ذروة أزمة الصواريخ الكوبية، غادر وزير الدفاع روبرت ماكنمارا غرفة الطوارئ في البنتاغون وذهب إلى الخارج. كتب لاحقًا: «لقد كانت أمسية خريفية جميلة، وصعدت إلى الهواء الطلق لألقي نظرة على السماء وأشم النسيم، لأنني اعتقدت أنه سيكون آخر يوم سبت أراه على الإطلاق».

    ما حدث لوزير الدفاع تشابه مع أحاسيسنا في مارس ٢٠٢٠م. عندما اعتقد البعض أن البشرية كلها على وشك الانهيار.

    كانت التقديرات تشير إلى أنه في حال حدوث حرب نووية شاملة (بين الأميركيين والسوفييت عام ١٩٦٢م) سيكون هناك مئة مليون حالة وفاة في الساعة الأولى.» يعلق هوسل. وبالطبع لم تحدث الحرب. لكن حدثت كثير من الأمور المشابهة التي لا يستوعبها عقل العوام والخاصة من الناس، مثل سرعة وجدية الأحداث الموجودة في أوكرانيا اليوم.

    «التاريخ لا يزحف؛ التاريخ يقفز» كما يقول الكاتب والفيلسوف المعروف نسيم طالب. ولا يمكن أن يحافظ الإنسان على رباط الجأش سوى مع اللحظات التي يؤمن فيها في الأوقات المستقرة أن لا شيء دائم سوى وجه الكريم.

    «تتشكل عبقرية الفرد عندما يقوم بفعل أشياء عادية عندما يصاب كل من حوله بالجنون» كما يصف نابليون الجنرالات العظماء في فريقه. أو تتكون العبقرية عندما يعمل الإنسان بهدوء واستقرار للمستقبل، ويضع عينه الأخرى على حبات اللؤلؤ التي ستسقط فجأة في حياته؛ أو عندما يسعى أن يكون عاديًا في حين أن العالم حوله أصابه الجنون.

    أول شعور يشعر به الإنسان لحظات فقد إنسان عزيز جدًا، أن الدنيا أصبحت صغيرة. صغيرة جدًا للدرجة التي لا تستحق فيها أي عناء لما هو قادم، الشعور الآخر هو «عدم الشعور» لما هو حوله، تمامًا كما يصف هوسل «حالة الإنكار» في النقطة الرابعة. يستسلم مع الوقت ويستوعب مصيبة الفقد، ويحاول المضي قدمًا فيما بعد حتى تعود دورة الحياة من خلال النقاط الأربعة. تتقلب نفسية الإنسان وعواطفه وأفكاره للمجهول. لا يعرف ماذا سيحمل الغد، ولا يعرف أن كان يفترض به القيام بعمل شيء في تلك اللحظات. وفي حقيقة الأمر، لا يفترض بالإنسان عمل شيء سوى التسلُّح بما عاهد به نفسه وقت الاستقرار، وبما جهز به حياته لهذه اللحظات.

    عين على اللؤلؤ وعين على ما نحاول إنجازه هذه اللحظة؛ هي كل ما نحتاج العمل عليه كل يوم. ربما.

  • ما تقوم بفعله بنفسك ليس توفير

    … إن كُنت تعتقد أن التكاليف مادية فقط.

    هناك وقت وجهد وذِهن، بعدها تأتي التكاليف المالية.

    قد تستطيع أن تتعلم الحلاقة بعد أن تُجرِب في نفسك أو في رؤوس الآخرين عدة مرات حتى تصل بالكاد لمستوى الحلاق الذي اعتدت عليه، والذي يقوم بعمله كل يوم لثمان ساعات. وعندما تصل لذلك المستوى سوف يتعين عليك أن تقوم بشراء مكائن الحلاقة غالية السعر تحاول استخدامها للوصول لمستوى «شاهين» التركي.

    ثم تعتقد أنك وفّرت على المدى الطويل، إلا إنك خسرت ساعات من وقتك الذي كان من الأجدى أن تُصرفه في أمور تضيف لك المزيد من القيمة أو المعنى لحياتك وتنمو بك غير التوفير المالي.

    تختلف المعادلة ربما (أقول ربما) إن كنت تعيش في الولايات المتحدة، حيث إن تكلفة الحلاقة كمتوسط هي خمس وعشرون دولار، وهو رقم غالي نسبيًا. إلا أنني قبلته على المدى المتوسط والقصير.

    نشرّت سمعة عن نفسي منذ زمن طويل مفادها إنني لا أقوم بأي شكل من أشكال الفزعات في المناسبات. صفر، لا أتحرك، ولا أود أن أتحرّك، ودائمًا ما تتجه أنظاري على الآخرين المستعدين للوقوف وصب الشاي أو القهوة نيابة عني.

    وأعتذر إن قلت إنني أود صِدقًا أن أُعامل مثل الضيف في المستوى الأقل من الحفاوة؛ ولأكون أكثر دقة: عندما أذهب لأي مناسبة، أود أن أقضي معظم الوقت مع صاحب المناسبة، لا أود منه أن ينشغل عني ولا أن أنشغل عنه، فقد أتيت من أجله، ولم آتي لمساعدته أو لمشاهدته وهو يقوم ويقعد في ضيافة الآخرين، ولا أحرص بصراحة أن أهتم بضيوفه، وطالما أن هناك أشخاصًا سيكونون سعيدين بتأدية مهام الفزعة بمقابل مادي (قليلًا كان أو كثيرًا) فأهلاً بهم. ففي النهاية أُشجّع الناس دومًا بتوظيف مساعدين مؤقتين لخدمة الضيوف، وإلا ليس هناك داعٍ للمناسبة من الأساس؛ أو بدلًا من إشغال الأصدقاء وأبناء العائلة الذين سيكرهون كل المناسبات المستقبلية، ناهيك عن سوء استجاباتهم لطلبات الكِبار.

    أود أن أمضي أكبر وقت مع الحاضرين حتى وإن كان العشاء عبارة عن جبنة وزيتون، فأنا لم آت لمد يد العون.

    سمعة أخرى عني في العائلة: لا أحرص على توصيل أي أحد.. طالما أن هناك خيارات مثل وجود سائق وأوبر وكريم، إلا إن كان المشوار على طريقي، أو كان صاحب التوصيلة لديه ظـروف لا تسمح له بأيٍ مما ذُكِر، فالتوصيل شكل من أشكال مضيعة الوقت الذي ليس له داع.

    في أمريكا مثلاً موضوع المساعدين والخدم صعب ومكلف للغاية، تكلفة زيارة عاملة التنظيف تتجاوز المئة دولار في اليوم الواحد، مما يضطرني من ناحية حسبة التكاليف مقابل الوقت إلى تنظيف الحمامات والمطبخ والمساعدة في الترتيب، والتسوق وغيرها من المهام بأقصى سرعة وأعلى جودة ممكنة خلال الأسبوع (أذكر أنني كنت أضع سماعات الكُتب الصوتية أثناء الكنيس)، عوضًا عن ذلك سوف يذهب ربع دخلي على سويعات تنظيف أسبوعية. وبالنسبة لأوبر كان شديد الغلاء لدرجة مستفزة، وهذا ما يجعل موضوع التوصيل فيه بعض المرونة.

    عندما نصرف ساعات طويلة من أجل تعلّم شيء يساعدنا على التوفير فإننا لا نوفر.

    وعندما نصرف ساعات طويلة لنتطور في شيء نجيده في الأساس أو نحبه أو نرغب بصدق لتعلمه، سوف يكون المردود على المدى الطويل رابحًا أكثر بكثير مما نتخيل.

    دفعت ما يقارب المئة وخمسين دولارًا عندما اشتريت تصميم مدونتي (بنصيحة أخي العزيز أنس بن عفيف وإشرافه على عملية الشراء)، وأصرف قرابة الألف وخمسمئة دولار سنويًا تكاليف صيانة وتخزين وبرامج حماية، وإن تخيّلت نفسي وأنا أتعلم البرمجة والتصميم لكي أوفر كل ذلك، فقد لا يجد القارئ الكريم مقالاتٍ لي لأشهر. وأعتقد أنه وأنا نفضل الانكباب هنا في الكتابة عوضًا عن صرف جهود لا تجعلني أكتب أكثر.

  • رتب غرفتك

    لا أعلم عن حال الجميع، لكن تعلّمت أن ترتيب المكان الذي نقضي فيه أوقاتًا طويلة مهمًا أكثر مما نتخيل. في المنزل، وبعد أن انتقلت للعيش مع والدتي قمت بتحويل أحد الصالونات بإذنها (والتي كانت مخصصة ربما للنساء) إلى غرفة مكتب، وضعت فيها كنبتين، طاولة مكتب للعمل، وعدة دواليب من بيتي القديم للكُتب، ولوحات قديمة علّقتها أخيرًا بعد أن كُنت أسأل نفسي منذ أن اشتريتها عام ٢٠١٤م «متى سأقوم بتعليقها؟».

    كانت ما نسبته ٣٠٪ من الكُتب (التي جلبتها معي من أمريكا وبقايا من مكتبي السابق الخاص بالعمل) مرمية على الأرض منذ فترة طويلة لعدم وجود رفوف إضافية تحتويها، تشجّعت واشتريت دولابين من أمازون السعودية بسعر جيد جدًا. وعندما وصلوا ركّبتهم زوجتي وقررت أن أُشتري معهم إضاءة أرضية لأضعها بجانب كرسي «الليزي بوي» لأتمكّن من القراءة والنور الأصفر منصب مباشرة على الكتاب. خصوصًا إنني من المدرسة التي تؤمن أن الإضاءة الساطعة البيضاء فترة المساء غير صحية على الجسد والعيون على المدى الطويل.

    اشتريت أيضًا بسعر جيد دولابًا حلزوني (إن صح الوصف) صغير قرّبته من الكرسي المذكور؛ وهو خاص بالكُتب التي أضعها فيها وأود قراءتها في الأيام القادمة. لتُصبح جلستي في الغرفة على المكتب صباحًا خاصة بالكتابة ومساءً على الليزي بوي مهيأة للقراءة، بمجرد أن أجلس على الكرسي أقوم بمد يدي وآخذ الكتاب الذي أقرأه حاليًا، وأنسى نفسي بين السطور.

    تفاجأت من تأثير الضوء المُسلّط على الكتاب في تجربة القراءة، الرؤية والأسطر أصبحت واضحة خصوصًا مع ارتدائي نظارات طبية، وصرت أتحمّس كل يوم للعودة وقضاء ساعات القراءة في الغرفة. التجربة تغيرت للأفضل.

    وجود تلفزيون مع «آبل تي ڤي» في نفس الغرفة، شجعني على الانضباط بممارسة رياضتي الصباحية في ظِل وجود مساحات فارغة في المنتصف أكبر الآن، وقد قررت عدم الاشتراك في النادي مع وجود برنامج Fitness+.

    شكل الغرفة عندما أصبح مرتبًا بنسبة ٩٥٪ عمّا كانت عليه أشعرني بارتياح غريب كلما دخلتها. تحوّلت فجأة إلى صومعة وصديقة حقيقية. مصدرًا للإلهام، ومصنعًا (لمحاولات) الإبداع. كل شيء في مكانه.. المكتب، والمكتبة ومعدات الرياضة، واللوحات كلها معلّقة، وإضاءة وكرسي مريح وكنبتين للضيوف الصغيرات الذين يأتون طيلة الوقت. شعرت بسبب الغرفة أن حياتي كلها أصبحت أكثر تناسقًا بصراحة. قررت أن أقوم بنفس الشيء في غرفة مكتبي في العمل، لعل الحال هناك يكون أكثر جاذبية للمزيد من الإنتاج.

زر الذهاب إلى الأعلى