لا أسعى لتمجيد إسرائيل بأي شكل من الأشكال، ورغم حرصي على تناول كل المواضيع التي أكتبها بعيداً عن السياسة والدين، إلا أنني أجد نفسي اليوم في حاجة ماسة للخروج عن قوقعة الوهم التي يعيشها معظمنا متصديين لكل ما لا يتناسب مع معتقداتنا الدينية والفلسفية … وفي بعض الحالات توجهاتنا السياسية.
أذكر هنا مع بعض الحيادية المؤقتة …
أن إسرائيل [دولة فلسطين الغالية!]تعد حسب بعض الإحصاءات أنها بالفعل معجزة اقتصادية قد بُنيت على أراضينا المقدسة. وأكرر أن إصرار البعض حول مفهوم المؤامرة ونية الغرب اتجاهنا كعرب ومسلمين ليست إلا حجج وهمية قد رسمناها (ورسمها البعض) لتكون ضد عجزنا للعمل والعلم والتطور. وإن كان هذا الوهم يحمل شيئاً من الصحة … أجد النقيض تماماً عندما أطلع على بعض أرقام وتفاعلات الإسرائيليين حكومةً وأفراد نحو تنمية البلد.
على سبيل المثال:
١. حسب آخر إحصائيا لعام ٢٠١٠، تُعد إسرائيل الدولة الأعلى إنفاقاً في معدل الصرف على البحوث العلمية والتقنية (R&D) بنسبة مقدارها ٤.٤١٪ من الناتج الإجمالي المحلي (GDP)، وتسبق بذلك كلاً من: فنلندا وكوريا الجنوبية، والسويد، واليابان التي يتوسط معدل إنفاقها بنسبة ٣.٧٥٪ تقريباً من الناتج المحلي.
٢. حصل ستة إسرائليين على جائزة نوبل منذ استيطانها في الأربعينيات حتى اليوم. وهي موزعة كالتالي: جائزتي نوبل للسلام، واحدة للإقتصاد، وثلاثة للكيمياء.
٣. تحمل إسرائيل الترتيب الثامن عشر على مستوى العالم في معدل براءات الإختراع مقارنة بعدد السكان (سبعة مليون نسمة) ليتمثل ذلك بنسبة ٣٤٤ براءة إختراع لكل ١٠٠ ألف نسمة [وهي نسبة ليست بسيطة أبداً مقارنتاً مع دول العالم الأول].
٤. رغم قلة عدد المستوطنين الإسرائيليين والتي لا تتجاوز ثمانية مليون نسمة، إلا أن حجم الثروات الموزع حول العالم يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر مع الإسرائيلين، وتوجد حالياً أكثر من خمسة شركات إسرائيلية محلية تحولت لمساهمة عامة في سوق الأسهم الأمريكي لدى مؤشري NASDAQ و S&P500.
٥. حسب إحصاءات عام ٢٠١١، تحمل إسرائيل الترتيب السادس على مستوى العالم في معدل الإبتكار حسب مؤشر Innovation Index (يرصد مؤشر الإبتكار حجم تفعيل التقنيات الجديدة في الدولة إضافة لتفاعل وتقبل قطاع الأعمال لمخرجات التعليم والبحوث العلمية).
٦. ” إن كانت ُتعتبر الولايات المتحدة هي الأولى في ريادة الأعمال، فبالطبع تُعد إسرائيل هي الثانية دون منازع” –إيريك شميدت (رئيس مجلس إدارة جوجل وعضو سابق في مجلس إدارة آبل)
٧. أول شركة أجنبية خارج الولايات المتحدة قام بشرائها رجل الأعمال المعروف وورن بافيت كانت إسرائيلية (ISCAR Metalworking) وكانت بإجمالي صفقة قيمتها ٤.٥ مليار دولار.
٨. حسب ما ذكر الكاتبين: دان سينور وسان سينجر أن رئيس دولة إسرائيل (شيمون بيريز) قد شارك في عدة مناسبات محلية وخارجية للتسويق لبعض الشركات الإسرائيلية محاولاً بذلك التوسط لإقامة صفقات كبيرة تصب في مصلحة ريادة الأعمال في بلده.
ومن زاوية أخرى … حتى إن كان دعم الولايات المتحدة يشكل فرقاً واضح لهذه الدولة كما نعتقد، فإن عجلة التقدم لها لم ترتكز خلال العقود الماضية على هذا الأمر وحده، بل ارتكزت بشكل رئيسي على القوة التعليمية والتكاتف المخيف للمجتمع الصهيوني.
ومن زاوية ثالثة … تُعد معظم الدول العربية والإسلامية محافظة بشكل نسبي على عدم تصدير مواهبها للخارج مما يثبت عدم وجود مشكلة حقيقية في توفر المواهب داخل مجتمعاتنا، بل أن كل المشكلة تنحصر في خلق الجو والبيئة الملائمة لاستثمار الموهبة من قبل الحكومات العربية وأفرادها ممثلة بأصحاب القرار وطبعاً مع تغير قناعاتنا كأشخاص ليستوجب علينا العمل والمثابرة للوصول لما وصلوا إليه قبل التحدث عن المؤمرات الغربية وأوضاعهم، فقد ارتكزت على سبيل المثال كلٌ من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات حسب الإحصائيات كأحد أقل دول العالم التي يعمل الموهوبين منها خارج حدود وطنهم.
إذاً؟
يتطلب النجاح في أي بحثاً أو دراسة ما الكثير من الجهد والوقت ليرى العامل عليها مخرجاتها أمام عينه، وكلما قلت هذه الفترة ستقل جودة المخرج النهائي.
وبنظرة فلسفية (بلدية): يجب أن ينشغل العالم العربي في أنفسهم بدلاً أن من الإنشغال في تلك المناظرات السياسية الدينية، أو بالأحرى أن يقتلع المجتمع المحلي نفسه من وهم المؤامرة. وأزيد على ذلك أن العمل مهما وصلت جديته دون بحث وتمحيص وتدقيق لن يقود أي أمة قد تنافس إسرائيل على المستقبل القريب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
– The Start-up Nation: The story of Israel’s economic miracle, Dan Senor and Saul Singer
– The Economist: The Pocket World in Figuers 2013 Edition