
… قبل أن أُجيب على هذا السؤال الذي طرحته على نفسي عندما رأيت هذا الإعلان في أحد مطاعم برجر كينج والذي يقول: ” للسعوديين فقط رواتب تبدأ من ٥،٠٠٠ ريال” وإن ركزت عزيزي القارئ ربما ستلاحظ أن الأكثر إغراءً في هذا الإعلان هو جملة: “نتيجة التوظيف فورية”.
أود أن أشكر إدارة مطاعم برجر كينج على هذا الحماس منقطع النظير اتجاه توظيف أبناء الوطن (أو تخضير نطاقهم في مكتب العمل).
وأود أيضاً أن أُعلق على موضوع الإعلان، وربما سأبرر سؤالي في عنوان المقالة من خلال النقاط التالية:
أولاً: يعي أي شخص متوسط الإطلاع أو الكفاءة فيما يخص شؤون الموارد البشرية أن راتب ٥،٠٠٠ ريال ممتاز جداً بل أجده في قمة الإغراء لوظيفة لا تتطلب بالضرورة كفاءة عالية كالوظائف المعروضة في مطاعم الوجبات السريعة والتي هي أيضاً تخصص في الغالب لمن هم ما دون الخامسة والعشرين في العمر. ولعلي أزيد الأمر تأكيداً عندما أخبركم أنني عملت في بداية حياتي لدى أحد مطاعم الوجبات السريعة بدوام جزئي تزامناً مع دراستي الجامعية، وذلك قبل أن أتحول إلى طالب مُنتسب ومنها إلى موظف بدوام كامل في جهة أخرى.
واسمحوا لي هُنا أن أسأل بكل شفافية (وحسب تحليلي الشخصي) السؤال التالي:
هل نستطيع اعتبار عرض مطاعم برجر كينج لهذا الراتب الممتاز ما هو إلا حرصاً من إدارتهم على توظيف السعوديين حباً فيهم ورغبة في الوقوف إلى جانب أبناء بلدهم؟ أم هو نتيجة حقيقية لإحباط مزمن أصابهم منذ عامين (كما أصاب بقية الشركات) فيما يخص برامج توطين الوظائف وتضييق الخناق على أصحاب الأموال والشركات وخصوصاً التي تعتمد على كادر أجنبي كمطاعم الوجبات السريعة؟
ثانياً: سيقول قائل: دعهم يا أخي يعطون رواتب ممتازة فهم يربحون الملايين … لماذا “تنُق” على رزق الشباب؟ ماذا سينقص من هذه المطاعم؟
وأجيب: بالفعل قد لا يخسرون الكثير بل ربما لن يخسرون شيئاً سوى عدم قدرتهم على فتح فروع جديدة ليوظفوا شباب آخرين، وذلك بسبب ارتفاع الرواتب والمصاريف بشكل نسبي. بل أجد أن هذا العرض المغري ما هو إلا نتيجة ضغط في المصاريف كما ذكرت سابقاً على أصحاب الشركات ليركزوا على توظيف السعوديين وكفى … فبحسبة سريعة تجد أن مصروف الفرد الأجنبي السنوي يزيد قليلاً على الحسبة التالية على كل فرد:
٦٠٠ ريال (مصروف الجوازات) + ٢٥٠٠ (مصروف مكتب العمل) + ١٠٠٠ ريال تقريباً (تأمين صحي فردي دون حساب أفراد الأُسرة) + ١١٪ من الراتب تأمينات اجتماعية + ٢٥٠٠ ريال تقريباً (مصروف سكن) = ٧،٠٠٠ – ١٠،٠٠٠ ريال تقريباً لكل فرد غير الراتب الشهري والبدلات الأخرى. وإن تحمست قليلاً لأمر هذه الحسبة قم بضرب عدد ٢٠ موظف أجنبي في التكاليف أعلاه ليخرج إليك الناتج = ١٤٠،٠٠٠ – ٢٠٠،٠٠٠ ريال سنوياً، غير المصاريف المباشرة(المتغيرة)، والمصاريف الأخرى غير المباشرة (كالإيجارات).
ويعي جميع التجار أن كل ما ذكرته إلزامي على صاحب العمل، بل أن فقط نية إخلاله في أيٍ من الشروط/المصاريف أعلاه قد يكلفه الكثير الكثير من الجهد والوقت ليُعيد لملمة أوراقه وكسب ثقته أمام مكتب العمل …
فمثلاً: لن يتم تجديد إقامة عامل الشركة الأجنبي في حال اكتشاف أن أحد أولاده السبعة والذي يُعد أحد التابعين له في الإقامة لم يتم التأمين عليه صحياً والتأكد من ربطه في الجوازات، وسوف يترتب على ذلك حساب غرامة تأخير مباشرةً على صاحب العمل لأنه نسي أن يؤمن إبناً من أحد أبناء موظفيه الأجانب السبعة.
مثال آخر: في حال تأخر تسديد جزء من مبلغ التأمينات الإجتماعية الشهري من قبل صاحب العمل بالخطء، سوف يُخسف بعاليه سافله إلى النطاق الأحمر لتتوقف جميع تحركاته القانونية في كل ما يتعلق بنقل الكفالات وتجديد الإقامات واستصدار الرخص، والعمل على أنظمة الشركة الإلكترونية ويستمر هذا الأمر لبضعة أسابيع كفيلة بإضرار عمله بشكل مباشر …وقد يترتب جراء تعطل هذه الأمور ضرر موظفي الشركة وبالتالي سيحق للموظف الأجنبي تقديم شكوى ضد صاحب العمل بتعطيل تجديد إقامته أو تأخر أحداً من حقوقه بسبب تعقد هذه الدائرة … وقد يفاجئ صاحب العمل بغرامة صاروخية من مكتب العمل عليه (قد تصل بسهولة إلى ١٠،٠٠٠ ريال) لتهذبه وتعلمه كيفية اختراع حلول ليتعامل مع مشاكله التي لا تنتهي (نظرية البيضة أو الدجاجة).
نسيت أن أذكر وجود مصاريف أخرى غير مكتب العمل إلزامية يتحملها صاحب العمل (وأكرر أن الرواتب والمستحقات الصريحة كمكافئة نهاية الخدمة خارج معادلتي اليوم) ومنها: اشتراك بريد واصل (١،٠٠٠ ريال تقريبا) + مصروف اشتراك خدمة مقيم لإدارة الأجانب (لا أذكر بالتحديد مبلغها لكنها حوالي الـ ٢،٠٠٠ ريال سنوياً)، أيضاً لم يتم حساب تكلفة مكتب المحاسب القانوني (١٨،٠٠٠ ريال تقريباً للشركات الصغيرة) + الزكاة والدخل.
لا أود أن أزيد معاناة التجار بتقليب أوجاعهم اتجاه مكتب العمل والأنظمة التي أجمع معظمهم على أنها تشجعهم على التفكير بإنشاء استثمارات جديدة خارج المملكة، ولا أود أن أكون من خلال هذه المقالة عقبة في وجه أي سعودي شاب يبحث عن عمل براتب ٥،٠٠٠ ريال. بل أود أن ألفت نظر القارئ العزيز إلى …
النقطة الثالثة وهي: أن ما استطاعت إدارة برجر كينج فعله لا يستطيع الجميع فعله، فمهما كلف الثمن والرغبة لتوظيف السعوديين، سيجد الشاب الطموح السعودي مستقبله في وظيفته الحكومية، وسيجد الأكثر طموحاً مكانه في أحد الشركات المرموقة الأخرى بعد تخرجه من الجامعة وتعلمه القليل من الكلمات الإنجليزية … وليصح الصحيح في نهاية الأمر بأن غير السعوديين هم من سيعملون في وظائف الوجبات السريعة وكفى.
أرجو من القارئ العزيز تحمل صراحتي في هذا الأمر لأنني بالفعل نادراً ما أرى أو لعلي أجدها من المستحيلات أن أشاهد شاباً سعودياً يستمر لفترات طويلة داخل أسوار المطاعم في المملكة.
نقطتي الرابعة: أن دفع مثل هذا المصروف الزائد على بند الرواتب بالنسبة لصاحب العمل قد ينعكس سلباً في نقطتين:
- رفع الأسعار على المستهلكين لتعويض الخسارة.
- التركيز على توظيف السعوديين (فقط) لكسب نقاط أكثر أمام مكتب العمل وشراء المزيد من الوقت أمام الجهات الرسمية الأخرى عوضاً عن التركيز على جودة مخرجات الموظفين السعوديين بشكل حقيقي.
خامساً: (تعقيباً على النقطة الثالثة) قدرة دفع رواتب عالية ستحطم الميزة التنافسية لدى الشركات الصغيرة والتي لن تستطيع بالتأكيد توفير مثل هذه الرواتب للسعوديين، مما سيجعلها تغرق في بحر أنظمة ومصاريف توظيف غير السعوديين … ومنها للمرور بمخاطرة حقيقية قد تؤدي بخسارة أي مشروع جديد في السوق يعتمد على موظفين غير سعوديين.
سادساً: أجد استمرار هذه الوتيرة من سُعار البحث عن سعوديين لمجرد أنهم سُعوديين لدى الشركات لينضموا إلى فريق العمل بغض النظرعن كفائاتهم الحقيقية، سيسبب الكثير من النتائج التي لا يُحمد عُقباها ولعل أهمها هبوط حماس ورغبات الشباب في إنشاء أعمال ريادية صغيرة، وعليه سيتم التقرب أكثر من الوظائُف المستقرة لدى الهوامير الكبار أو القطاعات الحكومية … لنتحول في يوم من الأيام إلى تلك الحالة التي كُنا نسمع عنها في بعض الروايات الكلاسيكية (الطبقة البرجوازية أو الإستحواذية في العمل – والطبقة الكادحة).
وعودة للسؤال: هل يستحق السعوديين راتب ٥،٠٠٠ ريال؟