الشهر: مارس 2017

  • علاقة كره وحب مع التواصل الاجتماعي

    تجمعني علاقة كره وحب مع قنوات التواصل الاجتماعي. فلا هي التي تجعلني في منتهى التركيز على عملي الأهم والذي يجب علي أن أنجزه، ولا هي التي تفيدني وتفيد من حولي بوجودي على هذه الحياة. مشكلتي الأخرى أن معظم من يسرقون وقتهم لقراءة ما أكتبه في المدونة أو في غيرها من الصُحف، يستطيعون الوصول إلي بسهولة من خلال الفيسبوك وتويتر، وربما الأخير يشكل ضغطاً نفسي أكبر علي مع كل دقيقة أقضيها وأنا أتابع التفاعلات فيه. دون ذكر حجم المآخذ العالية واللغط الكبير الذي يحصل فيه مع مختلف أطياف وشرائح المجتمع، فتجد السخافات هناك على أوجهها وتجد الأخبار المهمة تسبق الصحف والوسائل الإعلامية التقليدية أيضاًَ (طبعاً مصحوبةً ببعض المشاركات الطائفية والعنصرية).

    أصبح همي الشاغل في هذه الأيام مصارعة نفسي لكي أصرف المزيد من الوقت في العمل الأهم: الكتابة مثلاً! حتى بأخذي العديد من المبادرات التي تقلص حجم الإدمان الرهيب الذي يصيب الإنسان من إطلاعه على التواصل الاجتماعي (كحذفي لمتابعة الجميع في تويتر، إضافةً إلى حذف تطبيق الفيسبوك من جوالي) إلا أن هناك مساحة كبيرة لا زالت تتطلب قدراً عالياً من السيطرة على الذات وكبح النفس ضد هذا الإدمان.

    لا شك أن قراءة كتاب ما يعتبر عمل حقيقي ينعكس على حياة الإنسان أكثر من إطلاعه على آخر مستجدات وتعليقات الآخرين، لكن تظل القراءة لا تحقق أحد أهم وأعقد مطالب الإنسان الحياتية وهي الرضا السريع Instant Satisfaction والذي يتحقق بكل سهولة عند استجابة أو تعليق أو رد شخص ما على الفيسبوك وتويتر وسناب شات على كل حركة نقوم بها هناك.

    لكن يظل هناك سؤال لم أستطيع الإجابة عليه حتى الآن؛ هل أقاطع قنوات التواصل الاجتماعي تماماً إن لم أحسن السيطرة عليها؟ أم أكمل علاقة الحب والكره؟

  • البُخل

    الحياة بالنسبة لي تتلخص في كلمة واحدة فقط: المشاركة.

    لا يأتي البخل في المال؛ قبلها هو بخل العاطفة والاهتمام، وبخل العطاء بكل الصور. مشاركة الأمل، والاهتمام والطبطبة. والوقت والجهد … والعلم؛ هي الإنسانية (وربما الكرم).

    لا يحتاج أن نُذكر أي رجل سوي العقل أن متعة الحياة هي العطاء للأصدقاء والأهل، ومشاركة ما نملك قدرة بالمشاركة فيه.

    الإنسانية مشاركة، غير ذلك؛ سوف نكون آلات، وشياطين … أو بشراً مريضين.

  • لماذا ينقص ذكاء الإنسان كلما ازداد ماله؟ | قصة وفاة مايكل جاكسون

    هذه المقالة نُشرت مؤخراً على هاڤينجتون بوست-عربي.


    «كلما ازداد مالك وازدادت قوتك، كُلما زادت احتمالية أن يقل ذكاؤك» يقول Burkly.

    ويضيف: «لأن عدد الناس الذين سيخبروك أنك على خطأ سيقلون. وأعتقد شخصياً أنه سيستفيد أكثر [يقصد مايكل جاكسون] من الأشخاص الذين يقولون له إن كان على خطأ».

    كانت هذه الجملة التي سمعها Zack O’malley Greenburg مؤلف كتاب Michael Jackson Inc والذي استعرض فيه سيرة حياة المغني المعروف المالية قبل مماته. جاء هذا التعليق في تحليل حالة المغني عام ٢٠٠٧ عندما بدأت ثروته في التآكل إلى حد الإفلاس.

    لم ينتج جاكسون أي أعمال جديدة أو حفلات منذ عام ١٩٩٧ حتى ٢٠٠٧. ليستيقظ في أحد الأيام ويجد نفسه غارقاً في الديون. كان السبب ببساطة أن صرفه الباذخ أصبح أكثر من حجم دخله كل عام، ولم يقف ولا شخص واحد من حوله وقفة صارمة ليقول له «مايكل .. إنتبه أنت على خطأ!».

    توجه في ذلك العام إلى الملياردير العقاري Tom Barrack والذي كان يتجنب في العديد من المناسبات لقاء المغني، ومع إصرار الأخير، تم اللقاء بينهم في مدينة لاس فيجاس.

    أعجب باراك بالمغني جداً ويعلق: «ليس طفولياً كما يقولون .. بل إنه مستوعب تماماً مشكلته ومستعد للتغير من أجل حلها» ..

    طلب المغني من رجل الأعمال (الناجح في إدارة الأصول والثروات) أن يساعده في إخراجه من هذه الأزمة. كان باراك يدير محفظة أصول بقيمة تجاوزت ٣٥ مليار دولار حول العالم، وهو ينتقل من نجاح لنجاح في هذا الأمر مما استدعى المغني أن يستعين به.

    عند نهاية اللقاء اقترح باراك على المغني أن يأخذ جميع المستندات المتعلقة بأصوله ودفاتر شركته، قام بمراجعتها خلال يوم … ليعود إلى محاميه ويخبره أن مايكل بالفعل يمر بأزمة مالية حقيقية.

    كانت هناك مجموعة اقتراحات جذرية خلال عامين من العمل، منها استغناء المغني عن منزله المعروف Neverland ليعوض ديونه المتراكمة والتي كان يصرف سنوياً ١١ مليون دولار منها فقط على نسبة الفائدة من ديونه، إضافة إلى ٧،٥ مليون دولار مصروفات شخصية عادية، و٥ مليون دولار صيانة وحراسة بيته مع فواتير الخدمات، ٢،٥ مليون دولار نثريات، ٥ مليون دولار الأمور القانونية الشخصية، ليكون المجموع ٢٠ مليون دولار دون النظر إلى أي مصروفات أخرى حسب تقرير شركة المحاسبة Thompson.

    خرج الجميع (بعد مساعدة باراك) باقتراح آخر وهو القيام بجولته الغنائية الأخيرة والتي كان من المفترض لها أن تبدأ في لندن، والتي اشتهرت بعنوانها: This is it.

    كان السبب الحقيقي (وغير المعلن) من هذه الجولة هو محاولة تعويض المغني عن الأموال والديون التي خسرها خلال العشرة سنوات الأخيرة، التي لم يعمل بها. وقد اشترط على فريقه .. أنها بالفعل ستكون الجولة الأخيرة في حياته، ولا يريد المزيد من العمل.

    «لا أريد أن أعمل … لا تقل أنه يجب علي أن أعمل!» كان يرددها مايكل لمحاميه الذي بدأ يشعر بالقلق قبل وقوع الفأس في الراس، ويرجح محاميه الذي تولى زمام الأمور مؤقتاً Donald David أن ما أصاب مايكل من برود انتاجي استمر طويلاً؛ أن المغني كان مُصاب بمرض الإضطراب الوجداني (Bipolar) والذي يجعله في إحدى حالتين، إما شديد الفرح والنشاط، وإما شديد الإكتئاب والإنغلاق على نفسه، وربما ما أصابه كانت الحالة الأخيرة مع الأسف لتستمر معه أكثر من عشرة سنوات.

    مطلع عام ٢٠٠٩ مع دخول توم باراك في الصورة، والذي بدأ في معالجة حالة مايكل جاكسون المالية الصعبة، بدأ المغني بالاستعداد لهذه الجولة الكبيرة، أصبح ينشغل معظم وقته في محاولة اسعادة لياقته البدنية، وقد تم إجراء عدة تعاقدات حول الحفلات التي كان لها من المتوقع أن تجلب في خزينته ما يعوضه عن الديون، أصبح المغني هو الشغل الشاغل على مدار الساعة لفريق عمله والذين سينالون بالتأكيد نصيباً من دخل هذه الحفلة.

    ٢٥ يونيو ٢٠٠٩ … توفي مايكل جاكسون.

    كان سبب وفاته تسممه بمادة البروبوفول (propofol intoxication) والذي كان طبيبه Conrad Murrey قد وصفه له على فترة شهرين متتابعة حتى وفاته. والذي استغرب معظم المراقبين من وصف مثل هذا الدواء المهدئ القوي لفترة طويلة بجرعة كبيرة نسبياً! ولعل زيادة الجرعة -في رأيي الشخصي- له تبريره الخاص بالنسبة للطبيب، فهو كباقي فريق العمل، يريد التأكد أن مايكل سيقوم .. ليتمرن .. ليغني لاحقاً، وليكسب (ربما هو أيضاً) نصيبه من الغلة!.

    حكم على الطبيب فترة سجن أربعة سنوات جراء هذا الخطأ الطبي الكبير والبسيط، والذي اعتقد أنه سيساهم بتعجيل علاج المغني ليستعد لجولته الكبيرة.

    يشير الكاتب أيضاً أنه لم يكن هناك شخص واحد فقط كان يراجع ما يأخذه المغني سوا هذا الطبيب، وربما كان هذا الأمر بمثابة الثقة المميتة.

    كان بالنسبة لي من المفارقات العجيبة أن مبيعات حقوق مايكل جاكسون بعد وفاته تجاوزت الـ ٧٠٠ مليون دولار حتى عام ٢٠١٣، ليعتبر بذلك أكثر شخص في التاريخ يجني أرباحاً بعد وفاته!


    المرجع:

    Greenburg, Z. O. (2014). Michael Jackson, Inc.: The Rise, Fall, and Rebirth of a Billion-Dollar Empire (P. 203, 206, 207, 220, 223). Atria Books.

  • لماذا ما نفتقده يملكنا؟

    لا يملك عبدالعزيز منزلاً في كاليفورنيا، لكنه يملك أربعة منازل في مُدن مختلفة في العالم، ورث إثنان منها واشترى إثنان. يشعر بالأسى لعدم امتلاكه لهذا المنزل، وقد أصبح يعمل بجد طوال عامه الحالي ليمتلك ذلك المنزل بالقرب من سانتا مونيكا. لا يهمه دخله الذي تجاوز الـ ٣٠،٠٠٠ ريال شهرياً، ولا يريد أن يفكر سوى بطرق جديدة تجعله يستثمر قدر ما يستطيع وبأسرع وقت ليمتلك المنزل.

    لا يشعر بالأسى كثيراً من حقق الميدالية البرونزية في الأولومبيات، لأنه يعرف بشكل مطلق أن إسمه قد سُجل في التاريخ كأحد الذين حصلوا على ميدالية في إحدى الدورات العالمية، ولكن لا يزال زميله ومنافسه الذي حصل على الفضية يعيش حالة طاغية من الفشل لأنه يعلم أن الفرق بينه وبين الذهبية كان جزءاً من الثانية.

    طُرد Pete Best من فرقة البيتلز مطلع السبعينات، انكب في البداية داخل حزنه الشديد من هذا الإجراء الذي وجده تعسفياً في البداية، بعد أن أقنع أعضاء الفرقة مدير أعمالهم بطرد «بيست». لم يعش بيست حزنه لبقية حياته، فقد تعرف على صديقته كاثي (أصبحت زوجته فيما بعد) ليكمل معها مسيرة طويلة من الحب والوئام حتى يومه الحالي وهو في منتصف السبيعنات من عمره. استوعب بيست أن طرده كان أعظم أمر في حياته -كما يقول-، لأنه وبسبب ذلك الحزن المؤقت استطاع بطريقة ما التعرف على زوجته وبناء حياة جديدة، مريحة نفسياً – على حد قوله – رغم انتهاء أنشطة فرقة البيتلز بسنوات قليلة بعد انفصاله عنهم، ويعقب Mark Manson في كتابه أن بيست بالفعل استطاع التعايش بعيداً عن الأضواء والزخم الذي صاحب فرقة البيتلز وقتها، ليكون ممتناً بأن خروجه كان من أفضل الأمور التي حصلت له في حياته.

     في المقابل Dave Mustaine المغني الذي طُرد من فرقة Metallica عام ١٩٨٣، انكب في حالة هيستيريا من الغضب والحزن، أدمن الكحول والمخدرات لفترات طويلة، حاول الإنتقام من الفرقة عدة مرات بأشكال مختلفة .. كان أكثرها إيجابية (ربما) محاولاته المتواصلة بتحقيق مبيعات أغاني تتجاوز مبيعات ميتاليكا، إلا أنه فشل في هذا الأمر.

    يفتقد مُستين ميداليته الذهبية في كل مرة يجد نفسه أقل بدرجات من الفرقة التي طردته، لم يستمتع طوال فترة الثمانينات (والتسعينات) بنجاحاته الخاصة وملايينه التي حققها من حفلاته ومبيعات ألبومه .. كل ما كان يشغل باله تساؤله: «كيف أصبح أكثر ثراءاً ونجاحاً من ميتاليكا؟» .. بل أن الأمر طال ليحاول الإنتحار من فشله في تحقيق مبيعات تفوق مبيعات الفرقة التي طردته.

    كان يمكن لمُستين تجاوز الأمر بسهولة، إلا أنه فضل أن يحارب .. وأن ينافس في لعبة محسوم أمرها لصالح ميتاليكا، وكان الأهم من ذلك إمكانيته على الإستمتاع بكل تفاصيل نجاحه الساحق مقارنتةً بغيره من المغنيين الباقيين، أو ربما كان بإمكانه أن يعيش فقط بطمأنينة مثل ما فعل بيست في حياته. إلا أنه قرر أن يتألم … قرر أن يتألم من الشيء الذي لا يملكه (ولن يملكه ربما) ..

    مثل ما يتألم صديقنا عبدالعزيز في بداية المقالة.

  • St. Regis أكتب لكم من الفخم: سان ريجس

    قررت أن أكتب لكم اليوم وأنا في أحد مقاهي نيشانتاشيه أسفل فندق St. Regis الفخم (والذي لا أقيم فيه طبعاً، ولكن صدف وجوده بجانب مطعم الغداء، وصدف أيضاً أن المقهى تقريباً فارغ).

    سألت نفسي عندما استيقظت صباحاً؛ هل ستخرج كلمات مختلفة إن كتبت في مكان آخر غير مكتبي الأليف في جدة الواقع فوق شاورما شاطر؟

    وقبل أن أُجيبكم على هذا السؤال سأحكي لكم ما حصل … استيقظت من النوم وأنا أشعر بملل عجيب لأن جميع مهامي العملية قد انتهت منذ البارحة، لأواجه يومي الفارغ كما أريد، وقد ورد في ذهني السؤال أعلاه.

    خرجت من فندقي متأخراً نسبياً بنية تناول الغداء في نُصرت برجر، ركبت سيارتي المستأجرة والتي فاجئتني البارحة بخاصية جديدة فيها، وهي خاصية انعكاس شاشة الجوال على شاشة السيارة، والتي يمكنك من خلالها تقريباً التحكم بمعظم تطبيقات جوالك.

    وضعت خريطة Apple لأنها التي تعمل على شاشة السيارة (وليست خرائط جوجل الأكثر دقة وسهولة في الاستخدام):

    “Nusr-et Burger Nisantasi” وهذا المطعم أحد فروع مطعم نُصرت الشهير في اسطنبول. ميزته الوحيدة بالنسبة لي، أن زبائنه العرب والخليجيين أقل بمعدل ٩٠٪ وهذا ما يشجعني لسبب داخلي -مثل شعور معظم السعوديين- بالذهاب إليه.

    على كل حال، تفاجئت أنني أصبحت في القسم الآسيوي من إسطنبول، مما استدعى تضييع ٤٥ دقيقة للعودة إلى طريق المطعم الذي يبعد أصلاً عن فندقي ٢٠ دقيقة تقريباً، والسبب كان استخدامي الارتجالي لخريطة جديدة بدلاً من Google Maps.

    عندما وصلت .. طلبت طبقين من النادل مع مشروب .. وجدت أنني للأسف لم أشبع، لكن خجلي من انطباع الجرسون قادني إلى مداراة الأمر وطلبي للحساب.

    خرجت من المطعم .. الجو في قمة البرودة هُنا. كل المقاهي التي حول المطعم كانت مزدحمة، كُنت أود الجلوس بهدوء كما أجلس الان وأنا أتحدث معكم، لا يشغل بالي إلا أمر واحد فقط .. لم تكتب شيء اليوم .. لم تكتب شيء اليوم! .. وها أنا قد استأذنت من الشيطان لأخاطبكم.

    وعودة لسؤال بداية المقالة … هل ستخرج كلمات مختلفة إن كتبت في مكان آخر غير مكتبي؟ … الإجابة القصيرة بالطبع هي: لا، لأن نفس العقل الموجود في جدة هو نفسه الموجود الآن في اسطنبول!

    ولكن أقول بشكل مُطول … أولاً: أنني لم أجرب أن أكتب من قبل عن تجربة غداء محددة، وتفاصيل غريبة لا تهم القارئ كموضوع السيارة، والجي بي إس، واختياري لمقهى فندق سان ريجس. ولا أعلم بكل شفافية عزيزي القارئ مدى تقبلك لمثل هذه الكتابات وهذه المواضيع. لكنني اليوم قررت محاولة ممارسة الصدق مرة أخرى فيما أكتب. فبالفعل خجلت من النادل لأنني لم أشبع، وبالفعل تهكمت على بعض الأصدقاء الذين يحرصون على إخبار الآخرين أنهم يقيمون في فندق فخم.

    والأمر الآخر أنني … كُنت أود أن أُسكِت صوتي الداخلي والذي يطلب مني أن أنهي جزءاً من الكلمات التي يجب أن أنجزها اليوم.

    شارع نيشانتاشيه

    الكتابة

      تثير الأفكار، وتوثقها .. وتجعل منها أكثر واقعية، وهي في المقابل تجعل من القارئ يثير التسؤلات داخله رغماً عنه، لأنه ببساطة يقرأ، حتى وإن كان المحتوى (في بعض الأحيان) لا قيمة له.

    لا أعتقد أن شيء قد اختلف جذرياً من مكان الكتابة المختلف. ربما النفسية المصاحبة لإنجاز هذا الأمر قد اختلفت! .. لكن لا يعني هذا الأمر أن الإنجاز له علاقة مباشرة بالنفسية، فمقاومة المغريات (والشيطان) هي المطلوبة، في جدة أو في حفر الباطن!

    .. أوووه ها قد نزل المطر، وكأن الجو ينقصه بعضاً من البرودة!

  • ما هو أهم ثاني شيء في حياتك؟

    … المال!

    ومع بعض الصراحة، سنكتشف أن هناك العديد من الأمور التي نهتم لأمرها ونود العمل عليها بشكل أكبر إن سألنا نفسنا سؤال Alan Watts الكلاسيكي: «ماذا لو لم يكن المال هو الأهم في حياتك؟ .. ماذا ستفعل؟».

    وعندما نسأل سؤالاً اخر أعمق وأكثر صراحة، ماذا نفعل اليوم؟

    سنكتشف أن أيامنا .. يوماً بعد يوم .. تُصرف دون وعي لتحقيق أهم ثاني شيء في حياتنا، وليس الأمر الأهم.

    الحياة هُندست على تحقيق أهم ثاني شيء.

    والمشكلة الأخرى، أننا عندما نحقق أهم ثاني شيء في حياتنا .. يصبح بعضنا أكثر كسلاً، وآخرين أكثر لهواً .. لننسى الأمر الأهم!

    الشيء الأهم في حياتنا، هو ما يجب علينا أن نذكر أنفسنا به كل يوم ..  إلى أن نموت.

    هناك مهام «مستعجلة» وهناك مهام «مُهمة» .. وقد تعلمت أنني يجب أن أعمل كل يوم على الأمور الأهم في حياتي قبل العمل على الأمور المستعجلة، وأتمنى أن لا أستيقظ في أحد الأيام لأكتشف أنني كُنت على خطأ!

  • القدوة: هل هي بالممارسة أم بالقول؟

    ليلة البارحة وأنا أحاول أن أُقنع إبنتي سيرين بالنوم، اضطُرِرت كعادتي أن أُشغِل تنبيه ساعة التوقف Stopwatch لخمسة دقائق على الآيباد وهي تلعب به، أصبحت أتبع هذا الأمر مؤخراً بغرض التحكم على فترة لعبها في الآيباد .. فعندما أقول مثلاً سيكون معكي ٢٠ دقيقة، فلا حاجة لي أن أعود إليها بعد أن تنتهي، لأنها سوف تأتيني بنفسها لتقول لي «دق التين تون».

    شاهدي .. أنني وأثناء الإستلقاء بجانبها في السرير ألعب بجوالي، طلَبت مني أن أضع ساعة التوقف أيضاً لخمسة دقائق .. «حتى أنت! .. مو بس أنا».

    لا أعرف حقيقاً ما هو الدافع خلف طلبها -والذي نفذته طبعاً- لكن كان المميز في هذا الموقف عندما قالت لي «لو تبغا ممكن تمسك الكيندل (جهاز قارئ الكتب الإلكتروني، والذي شرحت لها سابقاً الفرق بينه وبين الآيباد) .. مسموح!».

    ربما كانت تود أن تشعر بالعدل في هذا الموقف، فما ينطبق عليها يجب أن ينطبق علي (استخدام الأجهزة الذكية في هذه الحالة). وربما كانت تود بلطف أن تُذكرني بوقت القراءة المعتاد، وإن كان بالفعل الأمر الأخير الذي تقصده، فسأزعم أنني أعيش حلماً من أحلامي.

    كان تساؤلي اليوم عندما استيقظت؛ ماذا لو رديت عليها أمس «أنني كبير ويحق لي استخدام الجوال؟» .. أو «ليس من شأنك؟» .. أو أي ردود سلبية أخرى مخالفة للمبادئ التي أحاول جاهداً أن أزرعها فيها؟ .. طرح علي هذا التساؤل تساؤل آخر شديد البساطة والتعقيد في نفس الوقت؛ هل أستطيع أن أزعم أن تربية الأطفال تكون عبر أمر جوهري وهو التجاوب مع أسئلتهم/طلباتهم المتكررة، بشكل إيجابي، منضبط ومستمر؟

    إضافةً إلى تساؤل آخر وهو؛ هل يمكن لي القول أن القدوة تنشأ فقط عندما يكون الأبوين (أو أحدهم) قدوة في أمر ما؟ .. دون أن يطلب طلبات مباشرة؟ فإن كُنت لا أريد أن تكون إبنتي كاذبة، فيجب أن لا أكون كاذباً، وليس أن أطلب منها باستمرار أن لا تكذب .. وإن كُنت أريدها إنسانة قارئة فيجب أن أقرأ! .. لا أن أطلب منها القراءة طيلة الوقت .. هل هذا هو الأمر ببساطة؟

    خرجت بمحصلة صغيرة من الإجابة على هذه التساؤلات وهي: أن التربية بالعموم ربما هي عبارة عن مواقف صغيرة جداً تتكرر كل يوم لآخر العمر بين الآباء وأبنائهم، فإن كانت استجابة الآباء لتلك المواقف مليئة بالصبر ومحملة بالمبادئ الإيجابيبة والقوانين التي تُطّبق على الكل، فستكون التربية إيجابية، والعكس (ربما) صحيح.

    والسؤال الذي يطرح نفسه .. هل يمكن إسقاط ما قلته على علاقة أخرى غير الأبناء مع آبائهم؟

  • مشكلة الإيجابيين في هذه الحياة

    … أنهم يستهدفون العاطفة فقط.

    «ثقافتنا اليوم تركز بشكل مهووس وغير عقلاني تجاه التوقعات الإيجابية: كُن سعيداً، كُن صحياً، يجب أن تكون الأفضل .. أفضل من الغير. كن أسرع، أغنى، أكثر إغراءاً، أكثر شهرة، أكثر إنتاجية .. وأن تكون محبوباً أكثر» يقول مارك مانسون، ويضيف في موضع آخر:

    «.. عندما تتوقف للتفكير ملياً بكل هذه النصائح المعاصرة التي اعتدنا سماعها طيلة الوقت، ستجد أنها لا تُصلِح ما تفتقده على أرض الواقع.

    تجعلك [هذه النصائح]  أن تركز على ما لا تملكه، تجعلك تركز على المال وكأنك لا تملك ما يكفيك.

    وتجعلكِ أيضاً تقفين أمام المرآة وتقولين لنفسك أنتي جميلة أنتي جميلة .. وكأنك لستِ مقتنعةً أصلاً أنكِ جميلة، بل وتقودك للحرص على بناء علاقة مع شخص ما في أسرع وقت، وكأنك تفتقدين لحب الآخرين لكِ.

    هناك مثل يقولوه أهل تكساس: «الكلاب الصغيرة تُصدِر النباح الأعلى». الرجل الواثق من نفسه، لا يحتاج أن يثبت هذا الأمر للآخرين، وأيضاً المرأة الغنية، لا تحتاج أن تقنع الأخريات أنها غنية بالفعل، سواءاً كانت كذلك أم لا».

    ويشير مارك مانسون أن انتشار مثل هذه الثقافة بإقناع الآخرين بالنقص أمر جيد جداً للتجارة، فهي تستدعيك طيلة الوقت لإخفاء عيوبك بشراء المزيد من الأشياء وتعويض الكثير من النقص المزيف فيك.

    مشكلة الإيجابيين الزائدين عن الحد [رواد تطوير الذات] أنهم قد يشكلون ضرراً على صحتك النفسية. كما يختم مانسون هذه الجزئية في كتابه، والتي ارتأيت أنها تستحق المشاركة.


    Refrence:

    Manson, Mark. The Subtle Art of Not Giving a F*ck: A Counterintuitive Approach to Living a Good Life (pp. 3-4). HarperCollins. Kindle Edition.

زر الذهاب إلى الأعلى