الشهر: أبريل 2017

  • لماذا نشعر بالإساءة عندما يلغي أحد صداقته معنا في التواصل الاجتماعي؟

    الإجابة القصيرة: لأن معادلة الصداقة اختلفت أصلاً مقارنةً مع الصداقات العميقة على أرض الواقع.

    كما عقّب سيمون سينك في لقائه الشهير عن جيل الشباب (مواليد 1994 وبعد)؛ بأن الإنسان أصبح يشتكي همومه ويشارك بها الآخرين على قنوات التواصل الاجتماعي عوضاً عن مشاركتها مع الأصدقاء الحقيقيين؛ لأن الواحد فيهم يعلم جيداً أن صداقته أصبحت سطحية، لا يمكن من خلالها أن يعتمد الشاب على أصدقائه بمشاركتهم همومه؛ لأن المصلحة هي العملة، وليس الصداقة لمجرد الصداقة.

    نستاء كثيراً عندما نعلم أن شخصاً ما قام بإلغاء متابعته لنا أو بإلغاء صداقته معنا في إحدى قنوات التواصل الاجتماعي؛ لأن هذا الأمر أصبح يشكل -لا شعورياً- إلغاء صداقة على أرض الواقع، ويفسر هذا الأمر اقتناع الكثيرين بأن الصداقة والوجود المستمر مع الآخرين ومتابعتهم عبر قنوات التواصل الاجتماعي أصبح تعويضاً عن الصداقات الحقيقية العميقة على أرض الواقع.

    كتبت تغريدة قبل يومين، واجهت بعض الانتقاد لوقعها السلبي (الذي لم أكن أنوي أن يكون سلبياً في الحقيقة) وهي:

    “صورة واحدة وأنت مبتسم تنشرها على التواصل الاجتماعي، تكفي لإقناع الجميع بأنك تعيش حياة سعيدة. الزيف أصبح أسهل من أي وقت!”.

    ولم أقصد بكلمة “الزيف” وقعها السلبي على المسامع؛ عوضاً عن كونها وصفاً لحالة تخالف الحقيقة في حياتنا.

    أوافق تصديقاً لكلام سايمون سينك بأن قنوات التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة سريعة وسهلة لإفراز مادة “الدوبامين” (هرمون السعادة) في عقولنا عند أي تفاعل مع الآخرين، فإن قام شخص بإعادة مشاركة (بوست) أو (تغريد) على قنوات التواصل، نشعر بنشوة سريعة تعيد لأنفسنا الاعتبار وتزيد حجم الثقة بالنفس، ويقابل هذا الشعور شعور الاستياء عند إلغاء الصداقة الذي تحدثت عنه.

    المشكلة الكبرى من قنوات التواصل الاجتماعي في رأيي، أن الإنسان يشعر بالإنجاز تجاه الآخرين مع كل دقيقة إضافية يقضيها على إحدى قنواته؛ بل يصيب الإنسانَ نوع غريب من الإنجاز عندما لا يجد ما يقوله ليشارك وينشر للآخرين “دعاء” أو “ذِكر ديني” أو “قصة حدثت مع أحد السلف الصالح”، يقتنع المشارك بها أنها وسيلة سريعة (وكسولة في نظري) للحصول على الأجر، ولسان حاله يقول: “انتبهوا فأنا ما زلت هنا، وها هي مشاركتي لكم”.

    في الحقيقة، عند مراقبة أكثر الشخصيات إنتاجية في العالم، سنجد أنهم (ربما) لا يكترثون كثيراً للتفاعل الذي تلقاه مشاركاتهم على قنوات التواصل؛ بل وأتمنى أن يكونوا كذلك بالفعل داخل قناعاتهم الشخصية؛ لأنهم بطبيعة الحال أُناسٌ مشغولون بخلق قيمة حقيقية من خلال أعمالهم المهمة، فيصعب أن تجد مثلاً أحد الناجحين/الناجحات في عالمنا (الإسلامي) يشارك الآخرين باستمرارٍ، مشاركات لا تضيف لهم قيمة على قنوات التواصل الاجتماعي؛ بل وربما لا أعتقد أنهم مشغولون بمتابعة استيائهم في إلغاء الصداقات والمتابعات من قِبل الجمهور.

    سُنة البشر أنهم يبحثون دوماً عن النتائج السريعة. الربح السريع، الرضا السريع (حتى وإن كان مزيفاً) دون تناسي محاولة الحصول على الأجر السريع بطبيعة الحال.

    ويعلم القارئ العزيز لهذه المقالة ويعي تماماً، أن العمل الحقيقي والقيمة الحقيقية للبشر لا تتشكل بحجم الصداقات على قنوات التواصل الاجتماعي، ومشاركة الآخرين مشاركات كسولة؛ بل بالعمل الحقيقي والمُتعب (كالكتابة والبحث، وخلق مشروع يصل أثره على حياة الآخرين).

    إلا أن جزءاً منه داخلياً لا يُمانع المزيد من المتابعين والأصدقاء، وهذا ما يشكل تضارباً أعانيه شخصياً، يولّد نوعاً من علاقة الحب والكره تجاه قنوات التواصل الاجتماعي، فلا هي التي تُضيف تلك القيمة الحقيقية لحياتنا اليومية، ولا هي تلك الوسيلة التافهة التي لا معنى لها.

    وفي المقابل، تجد حتى المجتمع الغربي ورواد تطوير الذات ينقسمون بين مؤيدين ومعارضين لوجودنا المستمر على قنوات التواصل الاجتماعي، وربما يدّعي الكثيرون منهم ومن عندنا أن مشكلتنا كلها تتركز في الإدمان، الإدمان غير الواعي للمزيد من الصداقات والمزيد من الثناء من قِبل الآخرين على التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى الخوف من افتقاد مشاركات الآخرين وهي ما تُسمى علمياً مصطلح: “الخوف من أن يفوتني شيء” Fear of missing out.

    جيل “ما قبل مواليد ١٩٩٤” ربما يعون أن الحياة ليست مجرد قنوات تواصل اجتماعي يمكن من خلالها وضع فلاتر على صورنا التي لا تعكس الحقيقة، لكن أيضاً ما زال الكثير منهم يعيش إما حرباً نفسية تجاه التواصل الاجتماعي، وإما إدماناً غير محسوس يعانيه أغلبية من هم من مواليد ١٩٩٤ وبعدها، (حسب تقديري).

    ولكن السؤال الأهم هُنا: هل يستحق هذا الأمر وقفة جدية للتساؤل؛ إن كان بالفعل أحدنا يشعر باستياء حقيقي من إلغاء شخص صداقته على قنوات التواصل؟ وهل يمكن الاعتماد على هذا الأمر كمؤشر خطر في علاقاتنا الإنسانية؟

  • تخيل أن يدفع راتبك شخص ميت!

     يحكي Robert Gotlieb المحرر المعروف والذي عمل في أكثر من دور نشر مشهورة في الولايات المتحدة على مدار خمسين سنة، أنه عند انتقاله من العمل في «سايمون أند سوشتر» إلى دور النشر المعروفة الأخرى «كنوف» لم تكن الأخيرة محققة أرباحاً جيدة تغطي مصاريف الشركة. ويذكر في مذكراته في كتاب Avid Reader أن كتاب النبي لجبران خليل جبران وحده، كان له الفضل بتسديد رواتب الموظفين وراتبه في تلك الفترة، فمثله ومثل كتاب «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر على الآخرين» لديل كارنيجي، لم تتوقف مبيعاتهم أبداً حتى كتابته لمذكراته منذ ذلك الوقت.

    استوقفني هذا الأمر في الحقيقة، فقد توفي جبران في عام ١٩٣١ وقد نُشر كتاب النبي عام ١٩٢٣ الذي تولت دور نشر كنوف طباعته وتوزيعه، ليأتي أشخاص بعد أكثر من عشرين سنة مثل جوتليب وزملائه يتقاضون رواتبهم الشهرية من مبيعات كتابٍ صغير (لا يتجاوز ١١٠ صفحة) لشخص ميت!

    قراءتي الشخصية لهذه الفقرة من مذكرات جوتليب، تُعطيني مؤشراً واضح على مدى قيمة مفهوم ترك الأثر، والذي يستمر بعد ممات الإنسان لفترات تحددها أهمية وجودة العمل. فلا أحد يعلم من هم أبناء جبران (إن كان لديه أبناء أو بنات) ولا يعلم أحد أسماء أبناء آينشتاين، أو بيل جيتس أو ستيڤ جوبز أو غيرهم من العظماء. لكن يعلم الجميع إنجازاتهم.

    استوعبت تماماً في هذا العام أن ترك الأثر أكثر أهمية من بناء الثروات عند قياسنا لمفهوم النجاح، فلا شيء يعوض العمل الحقيقي ونقل المعرفة، وربما أي مهنة قد تعوض نقص المال.

    ركز على ترك الأكثر وتغيير حياة الآخرين، هذا ما أذكر به نفسي طيلة الوقت.

  • مشكلة الكذب أنه أكثر إثارة من الصدق

    … أضحكني هذا التعبير من الأستاذ الكريم أحمد العرفج عندما قرأته في كتابه «من نواصي أي سفيان العاصي»، والذي ورثته ضمن مجموعة كُتب كان قد قرأها وأهداني هي صديقي العزيز ممدوح سيف.

    عندما يتحدث أحدهم، لا يثير انتباه الآخرين له – على الأغلب – إلا أمرين رئيسية: قصة مصاحبة لأحداث مثيرة، أو كِذبة مبالغ فيها. ولا يخفى على القارئ الكريم أن الأحداث المثيرة عادة ما تكون مصاحبة هي الأخرى بتعديلات طفيفة عليها قد لا تصل إلى مرحلة الكذِب؛ لكن ربما تُقبل منه القصة آخذين بعين الاعتبار أنه سيكون من الصعب جداً أصلاً على الإنسان العادي وصف الأمور أو سردها كما حصلت بالضبط، ولذا وجب دوماً كما هو معلوم لدى أي إنسان حكيم، أن القصة لكي تكون برهاناً أو حُجة (في المواقف التي تتطلب ذلك) بأن يسُتمَع لها من أطراف مختلفة. وإن كانت لا تستدعي ذلك يمكن اعتبارها إحدى فقرات Stand up Comedy أو مسرحية درامية ليستمتع المستمع بها وكفى.

    «الكذب أكثر إثارة من الصدق» … ليست تشجيعاً طبعاً لكي يضيف الناس المزيد من الكذب في أرصدتهم، ولكنها وصف حقيقي وواقعي جداً يجب الانتباه له، شخصياً أجد وبكل صراحة ميلان الناس للكذب أسهل في كثير من المواقف – خصوصاً الصعب منها – منه للصدق، لأن الإنسان الملتزم والمستقيم والصادق كثيراً ما سيواجه العديد من المترتبات على صدقه، والتي لا يستطيع حملها كل الأشخاص، ولذلك يلجؤون للكذب في حياتهم، على أمل عدم كشفه.

    أختار دوماً أن أكون صادقاً، لسبب واحد قد لا يكون منطقياً لدى القارئ الكريم، وهو أنني إنسان خواف، أخاف جداً من مترتبات الكذب التي قد تظهر على شكل حريق بعد وقت طويل، وأفضل استقبال المترتبات السريعة في – ظهورها واختفائها – والتي ربما تأتي على شكل «تهزيئ» أو «عتب» أستطيع ابتلاعه. لأن الفارق كبير بين الاشتعال والعتب عندي!

    ربما أشجع الآخرين على ممارسة أقصى أنواع الكذب والزيف وكل الرغبات حولها في شيء واحد، وهو: الشروع في كتابة رواية ما.

    فيمكن للروائي أن يمارس كل ما يريد ممارسته من سيناريوهات «كذبية» ويمكن أن يخترع شخصيات تقول الحقيقة في القصة نفسها، ويعلم الروائي نفسه أن هذه الشخصية كاذبة. يمكن له أيضاً تحديد نوع الكذبة … وحجمها … وعمر قائلها … وجنسه … ولونه … بل وحتى إقناع الآلف بأن كاذب الكذبة نفسه محبوك درامياً للدرجة التي يستطيع من خلالها كسب جائزة نوبل مثل الكثير من الروائيين. وبالمناسبة … في هذا الصدد يخبرنا ستيفن كينج بوصفه للروايات بأنها «الحقيقة المختبئة داخل الكذبة» والتي تُظهِر حقيقة البشر من خلال جودة الكذب/الخيال الواضح في الرواية.

    هل تعتقد فعلاً أن الكذب (أحياناً) أكثر إثارة من الصدق؟

  • هوايتي الجديدة: اصطياد الأخطاء

    هذه المقالة نُشرت على صحيفة مكة.

    لدي هواية جديدة هذه الأيام وهي اصطياد وتغريم عديمي الإحساس من يقفون موقف سيارتين. إضافةً إلى من يستهويهم الإغلاق على مواقف سيارات الاخرين أكثر من عشرة دقائق (والفئة الأخيرة تتفنن أحياناً بركوب سياراتهم والذهاب دون اعتذارات).

    خرجت الأسبوع الماضي من مكتبي مسرعاً للِحاق بلقاء لم يتم التخطيط له، كان المشوار يستغرق من مكتبي إلى هناك بالضبط ١٥ دقيقة، وهذا الوقت بالضبط الذي استلزمني انتظار السيد الكريم صاحب السيارة التي أغلقت علي. دخلت على كل مطاعم ومحلات المبنى الذي يوجد فيه مكتبي سائلاً عن صاحب السيارة، ليقوم أحد المحتسبين بإبلاغي أن الأخ صاحب السيارة يتواجد في المكتب الذي بجانبي فوق.

    قمت بالاتصال على المرور، وأخبرتهم بأمر هذه السيارة، واقترح علي العسكري خلف السماعة بتحميل تطبيق «كلنا أمن» ليمكنني من خلاله تصوير مثل هؤلاء المخالفين وكتابة ملاحظاتي تحت الصورة، ليتولوا هم الباقي … فقط بهذه البساطة.

    وكأن هذا العسكري فتح علي مهام عملية جديدة كانت تنقصني خلال يومي، أصبحت ألتقط الصور يميناً وشمالاً (خصوصاً المخالفين في مواقف المكتب) فيوجد محل دونات، إضافة لمحل مكسرات وشاورما وكل زبون (تقريباً) لهذه المحلات يبرر لنفسه توقيف السيارة بأشكالها الفوضوية بحجة أن طلبات تلك المحلات لا تحتاج أكثر من خمسة دقائق في المعدل ليحصل الواحد فيهم على طلبه ثم ليعود إلى سيارته. طبعاً خلال تلك الخمسة دقائق (٢٠ دقيقة فعلياً) يقوم محتسب مثلي بالتقاط الصور لسياراتهم، وأركز على التقاطها كلما أتيت إلى المكتب ولم أجد موقف لسيارتي بسبب وقوفهم الخاطئ والمستفز.

    بالمناسبة … عند خروجي البارحة من المكتب في المساء، وجدت أحد أصحاب «الدينْات» يتلقى وابلاً من التوبيخ من أحد الأحباء الذي أُغلِق على سيارته فترةً من الزمن، وفي الحقيقة كانت تملكني رغبة جدية لتعليمه في تلك الأثناء هواية جديدة!


    تنويه: هذه المقالة ليست إعلانية.

  • الفيلم الذي أثر في حياتي لسنتين

    كُنا في إجازة عائلية قبل سنتين في إحدى شاليهات يُنبع، عندما قرر أحد أقاربي أن نكسر ملل سهرة الليلة الأولى بمشاهدة فيلم … وقد وقع الاختيار على الفيلم الذي لم أتوقع أن يؤثر على حياتي كل تلك الفترة … كُنت عند كُل فرصة؛ أدخل وأشاهد أحد أهم مقاطعه على اليوتيوب … وهو بالمناسبة الفيلم الوحيد الذي حاز فيه آل بتشينو (كممثل) على الأوسكار في دوره البطولي كضابط كفيف متقاعد اسمه Frank Slade.

     Scent of a Woman أو «عبق امرأة» يحكي قصة طالب جامعي، اضطر لمرافقة الضابط المتقاعد لمدة أسبوع، لتدور خلال هذه الرفقة أحداث درامية تخطف الأنفاس، وتملأ المشاهد بالتأملات والحِكم.

    لم يكتفي الفيلم بعرض عبقرية كاتب السيناريو مع الجدالات والنقاشات التي كانت تملأ دقائق الفيلم سحراً، بل اكتملت عبقرية الإخراج والتمثيل في ثلاثة مشاهد (أتمنى من القارئ العزيز الانتباه لها عند مشاهدته للفيلم) وهي: تبرير محاولة الضابط (فرانك) على الانتحار + الإخراج الإبداعي الذي يفوق الوصف في رقصة فرانك مع الفاتنة دونا (الممثلة: Gabrielle Anwar) + أخيراً، مشهد الطالب Charlie Simms (الممثل: Chris O’Donnell) وهو يُحاكم في جامعته، ليدافع عنه الضابط بكلمات شديدة البلاغة والتأثير، ولتكون أيضاً درساً حقيقي للمشاهد حول مفهوم القيادة والأمانة والمبادئ.

    يقول آل بتشينو: «أتقنت دور الكفيف بعد أن تعاونت مع مدرسة مختصة بالتعامل مع المكفوفين، إضافة إلى تركيز نظري في كل مشهد على لا شيء، لكي أبدوا بالفعل مثل الكفيفين» المصدر: impd.

    أترككم مع أهم مشهدين (والتي ارتئيت أنها تستحق الأوسكار وحدها).

  • عدد القراء، أم جودة القراء أهم؟

    نقاش جدلي يتكرر معي دائماًَ يبدأ بسؤال: هل من المعقول أن ينشر الإنسان أي شيء يكتبه؟

    وربما أقول أنك من الصعب أصلاً أن تُحدد إن كان ما سيُنشر ذو تأثير أو دون تأثير.

    وتعقيباً على مقالة الأمس؛ لماذا توقفت عن حساب عدد قراء المدونة؟. شاركني أخي محمد خان معلقاً على المقالة:

    «أنت تحتاج إلى quality readers

    وليس إلى quantity of readers

    أينشتاين لا يقرأ له كل الناس

    وبيكاسو لا يهتم برسوماته كل الناس»

    في الحقيقة أجد رأيه في محله، وربما أقول بأن التحدي الأكبر لكل كاتب بأن يزيد عدد قراء الجودة عوضاً عن العدد، وكذلك مع استهداف نفس النوعية من المتابعين لكل عمل آخر. فالكاتب عموماً لسبب أجهله، يملك في معظم الحالات زخماً لا يستحقه … فقط لأنه كاتب.

    مشكلة الأعمال السطحية (على الأغلب) أنها سهلة الإنتاج، لا تتطلب الكثير من البحث والتدقيق والتقصي وخلق مفاهيم تدعمها، ومع ذلك تجدها أحياناً تنتشر بغزارة لفترة مؤقتة، ينسى تأثيرها الجمهور عند غياب صاحبها، وهذا الأمر لا يحصل مع الفنان/الكاتب الباحث عن جودة المتلقي، تماماً كما بقيت أعمال آينشتاين على زخمها حتى يومنا الحاضر؛ لماذا؟ … لأنها أعمال استحقت البقاء.

    ليو تولستوي … ألَف «الحرب والسلام» قبل أكثر من مئة عام، ولازالت حتى اليوم تُباع في المكتبات، بل أن الروسيين أقاموا تماثيل عديدة له تخليداً لذكراه (أو لذكرى أعماله) التي اتسمت بثقل أدبي عميق مثل الحرب والسلام، وأنا كارينينا والتي صُنع فيلم جميل مؤخراً.

    أزعم أن أمثال تولستوي وآينشتاين خلقوا أعمالاً لا يمكن لأعداد كبيرة أصلاً من الناس العاديين تشرُبها، لتزداد أهميتها عقداً بعد عقد.

    فلا يصح إلا الصحيح … الأعمال الحقيقية تبقى، والأعمال السطحية … سطحية.

    وملاحظتي الأخيرة اليوم … أن الوصول للأعمال الحقيقية تتطلب الكثير من إنتاج الأعمال السطحية، التي يُصيب ويخطئ فيها الفنان حتى يخلق أعماله الحقيقية، وحتى يؤمن به شخص ما أنها أعمال حقيقية، ليتحول بعدها المتلقيين «ذو جودة»، وتصبح بعد ذلك الأعمال أعمال خالدة.

  • لماذا توقفت عن حساب عدد قُراء المدونة؟

    لأن عدد القراء إن ازداد أو نقص، لن يقودني لعملِ أفضل!

    ثلثي المقالات التي يكتبها معظم الكُتاب أقل من المستوى المطلوب، وثلثي الرسمات التي يرسمها الرسامين لا تلقى بالضرورة استحسان كل المراقبين، ونفس الأمر مع ثلثي أغاني عمرو دياب ومايكل جاكسون وعبد الحليم حافظ.

    المعادلة معكوسة؛ فالأمر الأهم هنا هو المزيد من العمل. فإن كانت أهم الأعمال الفنية لدى الفنان قد نُشرت منذ البداية، فربما لن يعلم عنها أحد. لكن سيكون هناك شخص سينتبه لبعض الأعمال المنشورة (المستمرة) السيئة منها والجيدة.

    يغوص الفنان في صومعته لينتج وينشر عمله، لا ليأخذ وضعية ما يطلبه المستمعون.

    وفي المقابل يسأل سائل: هل يكتب الكاتب أولاً من أجل المال بالضرورة؟ … بالطبع لا! … فعمله ونشر خياله وأفكاره هي (ربما) الضرورة المُلِّحة الأولى، ليأتي المال بعدها.

    لا تكتمل المعادلة بالتركيز على نشر ما يرغب باستقباله الجمهور طيلة الوقت، بل بالعمل على ما يراه الفنان ضرورة يجب العمل عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى