الشهر: يوليو 2017

  • عندما طلب تشيرشل من مساعدته أن ترتبط بشاب

    في فترة رئاسته الثانية للوزراء في بريطانيا، تعرض ونستون تشيرشل للكثير من الضغط من محيطه ومن عدة أحزاب إضافةً إلى أبناء حزبه كي يستقيل من منصبه (رغم بطولاته القومية) بسبب كِبر سنه الذي تجاوز الثمانين.

    تصادف مع تلك الأحداث تعيينه لمساعدة جميلة صغيرة السن، حسب أحداث ومشاهد مسلسل The Crown. كانت تلك المُساعدة منهمكة في مهامها لمساعدة تشيرشل، وكان واضحاً له حجم ولائها الكبير له، مما استدعاه بدفعها للتخفيف من هذه الجدية، عبر اقتراحه للتعرف على صديق أو الخروج والارتباط مع أحدهم.

    وبعد عدة أيام عاد ليسألها: «هل وجدتي ذلك الشخص؟» … وأخبرتها المُساعدة أنها تعيش هذه الأيام مع أحدهم … شاب رائع وطموح يبلغ من العمر ٢٤ عاماً، اقتبست منه مقولة كانت مؤثرة جداً عليها – على حد تعبيرها – بتشجيع الشباب والوقوف بجانب الدولة، وأن الطموح شي مهم … وما إلى ذلك!

    سكت تشيرشل للحظات! …. واستوعب أنه هو من كتب هذا الكلام منذ ستين عاماً تقريباً!

    استوعب تشيرشل ربما أن كلماته ظلت ترافقه حتى الثمانين من عمره، واستوعب أن الأمر الذي كان يعيشه ليس أحلاماً واهية، وإنما حقيقة بل وقضية استمرت معه لستين سنة، لتتلقفها هذه الآنسة المُساعدة وتذّكِره بها الآن. وبعد عدة ثواني من الصمت والصدمة من ردها … شجعها أن تتعرف على إنسان حقيقي، وليس صديق ما من خلال كتاب ما!

    ولكن مع الآسف … ماتت هذه المساعدة الصغيرة بوباء ألم بمدينة لندن، كان كفيلاً بتغيير الكثير من القرارات الوقائية التي كانت يجب تتخذ قبلها من قِبل تشيرشل.

  • لا تكمل عملك إن كنت تشعر بالإرهاق!

    منذ مدة وأنا أحاول أن أُقسم وقتي بين نوعين من العمل أثناء اليوم:

    1. العمل على المهام الإبداعية: وهي كل الأعمال غير المطلوب مني بالضرورة من الآخرين. مثل كتابة هذه المقالة والكُتب التي أعمل على تدقيقها أو كتابتها، وهي التي يهمني أمرها أكثر من أي شيء آخر.
    2. الأعمال/المشاريع أو المهام التي تتطلب مني متابعة مستمرة: وهي تتميز بأنها لا تحتاج بالضرورة إلى تركيز ذهني عالي مثل النوع الأول، وألخصها في إرسال الإيميلات، الاتصالات الهاتفية، وبعض المهام الإدارية الأخرى.

    أتحدث اليوم عن ما يخص النوع الأول …

    أكثر ما يستنزفه أي عمل إبداعي أو عمل يحتاج نسبة عالية من التركيز أمرين لا ثالث لهما: الكثير من الوقت، والكثير من المخزون الذهني. وقد لاحظت أمراً كان يتكرر معي باستمرار خلال الأوقات الماضية، وهو أنني عندما أحاول الضغط على نفسي بالاستمرار في أي مهمة إبداعية نهاية اليوم، فإنني لا أستطيع أن أُنجزها، إضافةً إلى إحساس بالذنب يستمر لبعض الوقت لعدم إنجازي لها، والسبب أنني لم ألاحظ أمراً كان لا يستدعي حقيقةً هذا الإحساس بالذنب، وهو أنني على الأغلب مرهق جداً أثناء قيامي بالمهمة!

    لا يجعلك الإحساس بالإرهاق أن تفكر بشكل واضح، ولن يقودك إلى إنجاز عملك على أكمل وجه.

    مشكلتي كانت محاولة صرف المزيد من الوقت (وأنا في قمة الإرهاق) على المهمة في محاولة لتجاوز الكسل وإبعاد إحساس الإرهاق الذي لا يمكن بطبيعة الحال تجاوزه، أو إقناع نفسي بعدم الإحساس به. وكان ينتهي يومي وأنا في حسرة على عدم إنجاز تلك المهمة.

    اكتشفت ببساطة شديدة أن مشكلتنا دوماً – فيما يخص انتاج الأعمال الإبداعية – سوء اختيار التوقيت الذي يجب علينا استغلاله للعمل، فمثلاً أحرص منذ وقت طويل أن أجعل كل المهام الإبداعية منذ الصباح الباكر حتى وقت الظهير، لأتحول بعدها إلى النوعية الثانية من الأعمال. ومع فوضة ترتيب النوم التي صاحب مناسبتي رمضان وعيد الفِطر، فقد انعكست الآية لسببٍ ما، وأصبحت أهتم بالمهام غير الإبداعية في الصباح (لأنها ربما تراكمت مع الإجازة) ولأُنجِز مشاريع الكتابة في وقت متأخر من اليوم وأنا في قمة إرهاقي، لأخرج مؤنباً نفسي أنني إنسان كسول ولا أُريد أن أنجز، وهو ما تطرقت له بدايةً أن هذا الإحساس مجرد إحساس مزيف، يصاحب الإرهاق فقط! … فأنا لا أجد نفسي أبداً أحد الكسالى! … بل أجد نفسي إلى حد كبير، شخص يحتاج إلى بعض الترتيب في يومه العملي.

    الخلاصة هنا … أن الأعمال الإبداعية يجب أن تُنفذ في الأوقات الخالية من الإرهاق (أنا اخترت الصباح الباكر)، والعكس صحيح.

  • لماذا تزداد المهام صعوبة؟

    أدعي ببعض التواضع، أن كتاب ثورة الفن: كيف يعمل الفنان وكيف يعمل الآخرون، قد لاقا نجاح لا بأس به خلال السنوات القليلة الماضية. وها هو كتاب مدوان: عن العمل والفن وسيكولوجيا الإنسان في طريقه للمكتبات (متوفر بالنسخة الإلكترونية) سيخرج للجمهور وأنا لستُ في حالة اطمئنان كبيرة مع نفسي تجاه تقبّل القارئ الكريم له.

    تزداد المهام (غير المطلوبة منّا) صعوبة، في كل مرة ننجز شيئاً منها، لأن التوقعات نحو الأفضل تصبح بديهية. ولعل هذا السبب البديهي أيضاً بأن مهام الموظف/العمل العادي تزداد صعوبة في كل مرة يرتقي بها في عمله، ليزيد ترادفاً المردود.

    والمعادلة كالتالي: خطوة إضافية تجاه عمل أفضل .. باستمرار .. دون توقف، وربما وقتها يحق لنا أن ندعي الإنجاز.

    وستظل اللوحة القادمة أصعب، والموسيقي القادمة مرعبة أكثر، تماماً مثلما أجد اختيار الموضوع القادم الذي سأكتب عنه يصبح أصعب وأصعب، مع عدم تأكدي أن لا شيء من القادم سيكون أكثر إرضاءاً من الذي قبله.

    لا نملك إلا الخيار .. خيار للمزيد من العمل، على أمل أن نُلفت نظر أحدهم أو نقنعه بأننا أصبحنا أفضل.

  • لماذا نهتم برأي الآخرين أكثر من رأينا؟

    في الحقيقة نحن لا نهتم برأي الآخرين؛ بل نهتم بنفسياتنا عندما تتفاعل مع رأيهم.

    في موقف أُسري بسيط حدث أول أيام العيد، والذي كان يدور حول طريقة لباس إحدى بنات آخواتي وهي في بداية سن المرهقة، والذي كنت ألعب فيه دور المراقب، وسرعان ما تحول إلى جدل بين فريقين. كان الفريق الأول هو الفريق المعترض بشكل سلبي على طريقة واختيار ملابسها، ولأكون أنا ضمن الفريق الاخر الذي يرى أن لها الحرية في اختيار ما تريد أن تلبسه (مع التأكيد أنن لم أرى أي عيب في لباسها) خصوصاً في مناسبة ثمينة لِمن في سنها وجنسها كالعيد، لتستعرض فيها ذوقها الشخصي وشخصيتها التي تود أن تظهر بها. لم يفز أحدٌ في نهاية هذا الجدال، لينعكس فجأة هذا الأمر على وجه البنت التي غرقت في البكاء، ليقودني أخيراً أن أجلس بالقرب منها، لأهدئها، وأمتص حزنها.

    كان السبب بالنسبة لي خلف بكائها – كما كان متوقع – أن الجدال وإن كان يخصها، فهي لم تبدي رأيها وتبريرها لأيٍ من الأطراف. استوقفني أمر، بأن الطرف الآخر الذي أود بكل صراحة أن أستغل هذه المقالة لأتحامل عليه قليلاً، كان يهتم برأي الآخرين من بقية الناس (وماذاذ ستقول فلانة وفلانه عنها)، أكثر من الاهتمام بلباس البنت لنفسها أو لذوقها.

    قد يقول قائل … مهلاً! ما هذا الأمر التافه الذي تريد أن تقحمنا فيه؟ أي ملابس وأي رأي؟ وأقول أن الأمر كان جدياً بالنسبة لي، لأنه أمر يخص المبدأ والحرية الشخصية لهذه البنت (ولنا في بقية شؤون الحياة) أكثر من كونه اختياراً للملابس!

    استوقفي جداً أن المحرك الأول والأخير لكل تصرفاتنا ومنه الملابس، لا يؤثر عليه سوى أمر جذري واحد: وهو رأي الناس فيه، وهذا هو المحرك الخفي خلف تعليقات الفريق الآخر وبداية الجدال.

    ولذلك لا نستغرب أن الكثير من الشباب يهتمون لملابسهم ومظهرهم الخارجي، أكثر من اهتمامهم للمظهر الداخلي! … أو اهتمامهم -كما يقول أخي إبراهيم عباس- لكمال الأجسام أكثر من كمال العقل، ببساطة لأن العقل لا يظهر للآخرين بصفة مستمرة، ولأن المظهر الجيد وإن كان سيرضي الكثيرين فهو حجة كافية ليبتعد الواحد منهم عن إرضاء غريزة العلم والعقل والرأي.

    تتحرك نفسياتنا وتتفاعل باستمرار مع كل رأي إيجابي أو سلبي مهما كان سريعاً، بل وتستمر بعض التعليقات في أذهاننا ساعات وساعات وربما أيام، وقد تصل دون مبالغة إلى حد القطيعة إن مس تعليق سلبي جرح عميق نعاني منه.

    يزعم المراهقين والطبقة العاملة في المجتمع معرفتهم برأينا تجاه ظروفهم وأفكارهم سلفاً، للدرجة التي تجعل منهم لا يعبرون دوماً عن ما بداخلهم مهما كان محزناً، ليتجاوبوا في نهاية الأمر بإبداء ما يرونه مناسباً في التعبير عن ما يريده الآخرين منهم التعبير عنه، فلا نود أن نسمع مشاكل خادمة البيت مع أهلها، ونرى دوماً كراشدين أنني في غناً عن تفاهات المراهقين!  … ليصمتوا منغلقين على ظروفهم، باستثناء التعبير عنها عن أبناء جنسهم وعمرهم الذين يستوعبون ما يمرون به.

    لا أود أن أقود القارئ العزيز لتجاهل الآخرين، لكنني في نفس الوقت لا أو أن يستسلم بشكل مُطلق ليعيش حياته تحت رحمة ما يراه الآخرين فيه، منها مظهره الشخصي. فهناك فرق بين الاهتمام لرأي الأخرين كجزء ثانوي، وبين الاستسلام لرأيهم بشكل مطلق ليكون هو المحرك، ونصبح كل يوم في وضع «ما يطلبه الآخرون».

    سألت البنت بعد انتهاء الجدال … ماذا تريدين أنتي؟ … أخبرتني أنها تريد أن تلبس وتظهر بالشكل الفلاني، شجعتها أن تمارس حريتها طيلة حياتها، وأن تتجاوب بشكل مؤقت في مثل هذه المناسبات بلبس ما يريده الآخرون مناسباً. فقط لكي لا ينشغلوا بمظهرها عن أهمية وجودها في المقام الأول.

    أخبرتها أنني من الأشخاص الذين لا يحبون أن يلبسوا الشماغ دوماً، لكنني أحرص عليه في المناسبات الرسمية، فقط لكي لا أشغل أصحاب المناسبة بانتقاد شكلي، عوضاً عن التحدث معي بأرياحية.

    وأخبرتها بطبيعة الحال، أن ما تراه مناسباً لها هو الأهم … في كل جوانب حياتها، وليس ما يراه الآخرين فيها، أخبرتها أن الآخرين يعطون آراءاً سريعة وينسون ما قالوه، وأنها ستتأثر دون أن تنسى لفترة طويلة ماذا كانت تريد هي!

    هناك فرق بين الانسجام المؤقت، والاستسلام. ولنقس هذا الأمر على كل جوانب الحياة.

  • أعمل على روايتي القادمة

    في كتاب صغير الحجم سماه «أعمل على روايتي» Working on my novel يتناول الكاتب (الساخر) «كوري آركانجيل» تغريدات ومشاركات العشرات من الأشخاص الذين يحرصون على إخبار الآخرين في مختلف قنوات التواصل الاجتماعي أنهم بدأوا بكتابة رواياتهم، ليبدو له من الواضح أنهم يغردون ولا يكتبون رواياتهم في الحقيقة.

    رغم سطحية الكتاب وعدم تطرق الكاتب لأي أمر آخر سوى تجميع تغريدات الذين يزعمون بشروعهم للكتابة مع أسمائهم وأوقاتهم التي غردوا فيها، إلا أن الهدف واضح من خلال توثيقه ونشر لهذا الكتاب، وهو ميل الكثيرين منّا إلى الرغبة بالحصول على الإطراء قبل الانتهاء من أعمالهم الحقيقية التي – ربما – تستحق بعض الإطراء.

    مشكلة الإعلان عن الأعمال التي لم تُنجز، والعقود التي أُبرمت بين الأشخاص والجهات دون نتائج ملموسة، أنها تميل في العادة إلى عدم الإنجاز بالفعل. بل أن وجود قنوات التواصل الاجتماعي قد عزز هذا الأمر بإشعار المعلن لعمله القادم بإنجاز مزيف لم يقم به على أرض الواقع.  فيكفي أن أقول للآخرين أنني سأعمل على المشروع الفلاني (أو الرواية الفلانية)، لآخذ مع هذا الإعلان بعض الردود الإيجابية، لأتوقف بنشوتها عن العمل الحقيقي … العمل الذي يتطلب ساعات وأيام، وتركيز سيجعل ربما الواحد فينا فناناً حقيقي.

    العمل الحقيقي صعب للأسف … بل وصعب جداً، وقد تسهل مهمته قليلاً إن لم نخبر الآخرين عنه في بداياته.

    وكتابة الرواية مرهقة … مرهقة جداً، وكم أتمنى أن لا يصدر كتاباً آخر ضدنا في بقية الأعمال غير الروايات (الخيالية في إنجازها) التي نعمل عليها!

زر الذهاب إلى الأعلى