الشهر: يوليو 2019

  • مقالة رقم ٦٠٠

    أكتب هذه المقالة مستخدمًا الجوال.

    معظم مقالاتي المئتين الأولى في الفترة ما بين ٢٠١٣ – ٢٠١٤ كانت قد كُتِبت بالجوال. وها أنا اليوم استرجع ذكرياتي -التقنية- بعد الانقطاع سنوات عن هذه الوسيلة لكتابة المقالات.

    كان الهدف الأهم آنذاك إنجاز مقالتي اليومية بغض النظر عن موضوعها أو طريقة كتابتها؛ فالقارئ الكريم قد لا يهتم بالوسيلة التي خلقت من المقالة مقالة، وموضوعها سيكون ذو تأثير إن صاحبه صدقٌ كامل وبعض المعلومات وابتعاد عن البديهيات. هذا منهجي في المقالات بشكل مختصر.

    في العام الماضي كانت مقالتي ٥٠١، ولست فخورًا كثيرة أنني تأخرت كل هذا الوقت لأصل للرقم ٦٠٠ (أعتقد أنه كان من الواجب علي استهداف مقالة رقم ٧٥٠ خلال العام)، وبالطبع ليست هذه محاولة لاكتساب العطف أو استعراضًا للتواضع، فقد يقول قائل أن هناك الكثيرين من الكُتّاب الشباب بعيدين قليلًا عن هذا الرقم، وأقول أنني من فئة الذين يأخذون حِرفتهم في الكتابة بجدية، لأني ببساطة أحترم عقلي ومشاعري أكثر بها، وأشعر أنني أضيف شيئًا لهذا العالم معها. وبالطبع مقصدي الآخر من الجدية هو عدم تعاملي مع هذه الحِرفة وقراءها الكرام حسب المزاج، فالمزاج عدو الإبداع الأول.. وإن تُرِكت الأمور له، سيصبح أي شيء أكثر إغراءًا للفنان من عمله.

    لازلت منذ ٢٠١٤ على القناعة التي تقول أن الغزارة سر النجاح في حِرفة الكتابة والتوثيق (وكل الفنون)، والاستمرارية هي المعادلة السهلة الممتنعة. فلا يستطيع كاتب المقالات (وكذلك في مختلف الفنون) أن يتأكد من قبول القراء لمقالاته مهما صرف عليها من وقت وجهد. فتجدني أحيانًا أصرف ساعتين على مقالة لم يعطها أحدٌ وجه، وأخرى كُتبت في عشرة دقائق حققت قراءات وتأثيرًا كبير. وليس هناك حل سريع للتأثير على القارئ وكسب وده سوا الاستمرار في المزيد من الانتاج، يخيب بعضه ويصيب بعضه.. والأهم، مكسب الكاتب الأهم مع نفسه: في التعبير المنتظم.

    للسنة الأولى أُلاحظ أن قرّاء الكتب (على الأقل في حالتي) كان قد تخطى قرّاء المقالات، ربما لأن الكتب تعطي أصحابها المزيد من المصداقية وإثبات الإنجاز بوحود شيء ملموس على رفوف المكتبات، وربما لأن القارئ الكريم يكون أكثر تركيزًا وانتباهًا في تعامله مع شيء محسوس كالكتاب، يصرف معه الكثير من الوقت والمراجعة، بدلًا من المقالات المتناثرة في فضاء الإنترنت هنا وهناك والتي تزاحم يومه وذهنه، فالمقالات على الأغلب تأتي عرضيًا في حياتنا، بينما تكون الكتب على الأغلب اختيارية فيها.

    لاحظت أيضًا أن معظم.. وأقول معظم القراء (للمقالات والكتب على حدِ سواء) هم من فئتين: من هم دون الخامسة والعشرين، ومن اقتربوا أو وصلوا سن التقاعد. وأعتقد أن السبب يعود للوفرة النسبية في الوقت والمسؤوليات لدى هاتين الفئتين، دون أن نتناسى أن الآنسات يحتلون الشريحة الأكبر كفئة جنسية بشكل عام.

    ولازلت بالطبع أستلم بعض النصائح بطعم التوبيخ من أحبائي القراء جراء استخدامي المحبب للكلمات العامية أو المفردات البسيطة في هذه الرحلة، ولازلت أردد الرد المعهود والمقتبس على لسان الدكتور علي الوردي والمنتشر في أماكن كثير في كتاباتي «مهمة المثقف أن يقول الحقيقة لا أن يرسم الكلمات». وفي الحقيقة، لا أمانع أبدًا قراءة مقالات مطعّمة بالعامية، وأفضّلها على المقالات المكتوبة بالكامل باللهجة العامية، والتي قد تخونها نبرة صوت صاحبها الكتابية.

    على كل حال.. هذه أجزاء من الرحلة، أتمنى أن نكون سويًا في المقالة رقم ١٠٠١.

    وشكرًا لبقاءك.. لولاك، لما كانت هناك مقالات تجاوزت الستمئة. 

  • لماذا لم يكن الحُب محبوبًا لدى العرب قديمًا؟

    يتناول الكاتب المخضرم سعيد السريحي في كتابه «العشق والجنون: دولة العقل وسلطان الهوى في الثقافة العربية» حالة الحُب في الثقافة العربية القديمة، وكيف أن الكثير من المسلمين والعرب في القرون الوسطى الإسلامية كانت قد حاربت حالة الحب التي تهبط على قلوب العُشّاق، بل أن الكاتب أشار إلى أن بعض السلف كانوا قد حاربوا الحب للدرجة التي جعلتهم يقارنوه بالشِرك بالله عز وجل وحاشاه، ابن الجوزي أحدهم. فالعاشق يهيم (والهُيام داء كان يصيب الإبل لترتوي من شدة عطشها بالماء، وكلما زاد ارتواءها كلما ازداد عطشها.. حتى تموت).. ويهوى (الهوى: من الهاوية). بل أن هناك أكثر من خمسين مرادفًا للحب في اللغة معظمها ذات معاني سلبية.

    يُصاب العاشق بنوع من الوله لعشيقته، وتبدأ حياته بالتغيُر، وتبدأ فجأة بالتشكُّل على ظروف عشيقته، فكلما اختفت، اختفى جزء منه ليحل القلق والافتقاد بديلًا عنها. وكأن حالته أشبه بماكينة تنتظر الوقود لتعمل، ويكون ظهورها هو الوقود للحياة.

    يسأل نفسه وعشيقته «كيف كنت أعيش من قبلك؟» أو ليقول لها لحظتها «لا أستطيع أن أعيش من دونك» وهو صادق حسب رأي «أوشو» بوصفه أن الرجل عندما يقولها فهو صادق تمامًا. لكن كل المشكلة أن صدقه ينحسر في تلك اللحظات فقط. تمامًا مثل الطفل الذي يعدك (وهو صادق) بأنه لن يأكل شوكولاتة مرة أخرى، لتصبح المسألة مسألة وقت حتى يعود لسابق عهده.

    وبعدها.. يعتاد على وجودها وتصبح العشيقة جزءًا عاديًا في هذه الحياة كباقي الأمور، وتعود الحياة لتوازنها الصحيح. هذه هي سُنّة الحياة.

    وإن أبدينا حُسن النية، فإن أسلافنا لم يكونوا مرحبين بفكرة الاستسلام النفسي والعاطفي التام لمن نعشق، حتى وإن كان مؤقتًا. فالاستسلام إن وصفناه في الحب، سيُختزل في الانتظار المستمر، وتعطُّل العقل، وزيادة الأرق والقلق، وتوقّف كل الأنشطة الذهنية التي تستحق بعض التركيز.. وبلُغة أخرى، لا تُصبح الصلاة صلاة.. ولا يُصبح العمل عملًا بانحسار العقل في اتجاه العشيق، بل ولا حتى رفقة الأصدقاء تُصبّح ذات قيمة، في وسط وجود العاشق فيزيائيًا فقط بينهم.

    ويصف الأديب الفرنسي مارسيل بروست هذه الحالة ببلاغة لطيفة حينما يقول: «إن الذين ليسوا في حالة حب لن يفهموا كيف يمكن لرجل ذكي أن يعاني بسبب امرأة غبية».

    وتعليقي الأخير على بروست والسلف الكريم.. أن كليهما لا يريدون أن يظهروا أو أن يظهر الآخرين بمظهر الأغبياء والمستسلمين. فبالتالي لا يبالغون في تشجيعهم لأن يخوض الآخرين قصص العشق.

زر الذهاب إلى الأعلى