الشهر: سبتمبر 2019

  • إدارة الذهن وليس الوقت + اقتراحات قراءة

    أعترف اعتراف اليوم..

    أنا من أكثر الشخصيات التي تقرأ عن الإنتاجية وكفاءة الوقت واستغلاله. ومن أكثر الشخصيات التي أصبحت مؤخرًا لا تستغل الوقت وليست ذي إنتاجية.

    أعزو بخجل السبب لانتقالي مع أسرتي إلى الولايات المتحدة مؤقتًا بسبب دراسة زوجتي. وقد استنزف مني الأمر أكثر من ثلاثة أشهر من فترة ما قبل الانتقال حتى شبه الاستقرار الآن، في محاولة لإدارة إجراءات الانتقال والمهام المُعلقة بين جدة وفلوريدا على جميع الأصعدة، العائلية منها والعملية.

    كثير من التفاصيل عن هذه النقلة يعرفها معظم المبتعثين وأصدقاءهم، إلا أنني اليوم لا أحاول أن أقول كلامًا مستهلكًا، سوى مشاركة بعض الأمور التي تأملتها في هذه التجربة على نفسي.

    أولها: تجددت قناعتي أن أي محاولات ومنهج لإدارة الوقت أعتبره فعليًا مضيعة للوقت. والسبب ببساطة أنك بمجرد أن تنظر إلى تقويم الأسبوع أو الشهر على هاتفك الذكي، ستدرك أنك مهما كنت منشغلًا فإنك تملك الكثير من الوقت خلال اليوم، لكن ليس الكثير من الذهن الصافي والطاقة الفائضة.

    مجرد التفكير بأن أحاول أن أكتب بعد الساعة التاسعة مساءً وقت نوم بناتي، سوف لن يجدي نفعًا.. لأنني أكون في قمة الإرهاق، ولا أملك سوى بضع ساعات من الأفضل أن تُصرف في أقل مجهود بدني ممكن أو مجهود شبه لا يحتاج لذهنٍ صافي. وقد تطرقت سابقًا لهذا الموضوع موضّحًا أن مشكلتنا كأصحاب مهن إبداعية نخلط بين الإرهاق وبين يأسنا من عدم قدرتنا على خلق عمل إبداعي.

    والقاعدة التي تجددت لدي أيضًا مرة أخرى: إياك أن تمارس عملًا إبداعي أو مهمة تحتاج إلى تركيز وأنت مرهق، فقد يؤثر على نفسيتك سلبًا قبل جودتها.. أقولها بجدية.

    ثانيًا: رغم ولعي الكبير بالطبخ.. لا زلت أجده من أكثر الأمور في حياتنا التي تُضيع الوقت. ليس بسبب أن الطبخة الواحدة مع تناولها وثم تنظيف المطبخ قد تستنزف من ساعة ونصف إلى ثلاث ساعات (مع وجود أطفال)؛ بل بسبب تكرارها شبه اليومي. وعلمتني التجربة أن الأسرة أو الفرد يجب أن يبحث لنفسه عمّن يساعده في توفير أكلات يومية صحية بسعر مناسب أكثر من الحرص على من يساعده في شؤون النظافة والترتيب.. سواء في المكتب أو في البيت، ومشكلتي هنا، عدم توفر من يساعدنا على الطبخ.

    التنظيف والترتيب قد يحصل بسرعة ومرات قليلة أسبوعيًا، أم الأكل فهو شبه يومي، وأعتقد أن الإنسان إن وجد من يطعمه بشكل منتظم، فقد يزيد انجازه.

    الطريقة الأنسب للإنجاز والتي أحاول تطبيقها، لا زالت في استثمار ساعات الصباح الباكر في الأشياء الأكثر تعقيدًا وأهمية.. ككتابة هذه المقالة. لأن الذهن أصفى والطاقة موجودة.

    أحزن كثيرًا عندما أعاتب نفسي لاستخدامي المفرط للجوال، للدرجة التي جعلتني أذهب إلى متجر أبل وأخبرهم أن جوالي يحتاج لتغيير بطارية، ليرد علي البائع «سيدي، هاتفك ممتاز، أنت تستخدمه بشكل مفرط لا أكثر». وهذا الأمر صحيح، وأعوز السبب لاستخدامي الاستثنائي لخرائط جوجل هنا. لكن أصارع نفسي هذه الأيام لدفنها بين الكُتب والمقالات الشيقة، وربما محاولتي الجدية لإعادة تمرين عضلة الكتابة بعد توقفها المزعج والاستثنائي سيُعيد الزخم مرة أخرى.

    وبصراحة، أعتبر هذه المقالة إلى حدٍ ما من ضمن فئة أدب الاعترافات، والفضفضة عن هذا الأمر.

    والسلوك الأصح الذي ساعدني في معظم شؤون حياتي خلال السنوات الماضية كان في وضع كل الأفكار على الورقة ومشاركتها مع الآخرين، ليظل التعبير الوسيلة الأكثر فعالية، والمشاركة مع الآخرين يظل الأكثر تأثيرًا وإضافًة للقيمة، فبالتالي.. هدف المقالة أكثر من مجرد الكتابة.

    لا بأس إن اقترحت عليَ بعض النصائح عزيزي القارئ. سأكون في انتظارك.

    هدية المقالة: ماذا أقرأ هذه الأيام؟

    اختياراتي جدًا دقيقة، نظرًا لضيق الوقت ومحاولة الاستغلال الأمثل له. وهنا قائمة الكتب التي أقرأها وأنا مستمتع جدًا، فنادرًا ما تختلط عليَ مجموعة القراءات تكون جميعها تقريبًا ممتازة.

    1. Talking to Strangers: What We Should Know about the People We Don’t Know By Malcolm Gladwell.
    2. Indistractable: How to Control Your Attention and Choose Your Life By Nir Eyal
    3. The Price of Loyalty: George W. Bush, the White House, and the Education of Paul O’Neill By Ron Suskind
    4. Everything Is F*cked: A Book About Hope By Mark Manson

    قراءة ممتعة.

  • مئة تحت الصفر، الكتاب الجديد

    التقيت به للمرة الأولى عام ٢٠٠٦م في مكتبه الصغير في مركز بيوتات الأعمال في طريق الملك. كُنت أعمل وقتها في وظيفة استقبال/خدمة عملاء في إحدى شركات التمويل العقاري، أذكر أنني ذهبت إليه ومعي بعض الأوراق المرسولة من مديري آنذاك الأخ أيمن جمال لتسليمه إياها. أدخلني السكرتير إلى مكتبه، استقبلني بحرارة ولُطف، شعرت أن هذا الرجل -الذي يُعد تقريبًا في مكانة والدي- لم يهتم كثيرًا بوظيفتي الصغيرة أو عمري، وهذا بالتحديد ما جعل منه بالنسبة لي شخصًا مثيرًا للاهتمام، فمثلي وقتها يتجنب بطبيعة الحال أصحاب المناصب.. ويتجنبونه، خصوصًا بعد أن علِمت أنه كان رئيسًا سابقًا لمديري.

    أعطيته الأوراق، وبقيت خمسة دقائق تحدثنا فيها عن الحياة والعمل والمستقبل، سلّمت عليه وودعته. لفتتني جدًا أناقته وأسلوبه في الحديث وعلمه الغزير، ولفتني أكثر لطفه الغامر.

    ثم التقيته مرة أخرى عام ٢٠١٠م بهدف العمل على مشروع معين، لكن لم تشأ الأقدار أن تتم الموضوع. ودون تفاصيل، عادت بنا الأيام عام ٢٠١٤م لأعمل معه في بعض المشاريع الصغيرة، وقد كنت قبلها في بداية ممارسة حِرفة الكتابة بشكلٍ منتظم، حتى عرضت عليه فكرة توثيق تجربته وأفكاره في كتاب، ليرد عليَ بردٍ سلبي وثّقته لاحقًا.

    في كل مرة أسأله سؤال عن شأن يخص العمل أو الحياة أو السياسة أو الدين، كُنت أفاجأ من ردوده غير المألوفة أو المتوقعة، فهو لا يميل كثيرًا إلى الرأي السائد، وعلمت أنه يبحث دومًا عن إجابات من مصادر مختلفة. مما قادني إلى المزيد من الفضول تجاهه، حتى اقتنع أخيرًا بإعطاء فكرة توثيق تجربته في الحياة والعمل حقّها، ليدعوني إلى منزله لأبدأ بأسئلتي وجهاز التسجيل بين يدي.. ويبدأ هو بالإجابة.

    باشرت بوضع خريطة طريق لتوثيق الكتاب عنه، لاحظت أنه كان يتأمل كثيرًا التحولات الغريبة التي حدثت في حياته منذ طفولته التي تخللت وفاة والده إلى الأحداث التي مرّ بها في مرحلة الجامعة حتى عمله ثم تأسيسه «الخبير المالية» والتي كانت عبارة عن مكتبٍ صغير في طريق الملك حينما زرته لأول مرة.

    كان هناك هدف شخصي غير معلن من هذا المشروع، وهو قضاء أكبر وقت ممكن مع الأستاذ عمّار وسؤاله بأكبر قدر ممكن من الأسئلة، ولن يقبل بطبيعة الحال أي شخص مشغول أن أقضي ساعات متواصلة معه بشكل دوري دون وجود مشروع مشترك يبرر هذا الوقت، وكانت فكرة الكتاب هي الحجّة.

    كتاب «مئة تحتر الصفر: عمار أحمد شطا.. تحولاته ودروسه وعن مستقبل الأجيال» كان النتيجة النهائية من هدفي غير المعلن، والذي أصبح معلنًا بين يدي القارئ الكريم الآن.

    أصبح الكتاب متوفرًا في المكتبات بعد حجمٍ كبير من التنقيحات والتعديلات والتغييرات التي صاحبته، وساعات التسجيل التي تجاوزت عشرون ساعة متفرقة، أصبحت كفيلة بأن تجعل هذا المشروع أحد أهم المشاريع في حياتي العملية حتى الآن، وبكل تواضع أقول أيضًا أنني راضٍ به إلى حدٍ كبير. أذكر أنه رفض إكمال المشروع فجأة في أحد الأيام عام ٢٠١٦م لعدم اقتناعه بالطريقة أو بالأسلوب أو لشيء آخر لا أذكره. لكننا بفضل الله استمرينا وها هو الآن متاح للبيع.

    يقال دومًا أن النقيض للعمل الفني «العظيم» ليس العمل الفني «السيء» كما نعتقد، بل أن العدو الأول يُختزل في كلمة «جيد». فكثير من الفنون لا تخرج من أصحابها لاعتقادهم أنها «جيدة» في بحثهم عن إنتاج شيء «عظيم». كان الهدف منذ الشروع في كتابة هذا العمل أن يكون «عظيمًا» قدر المستطاع، ولا أستطيع اليوم إلا الاعتراف بأن كل جهد كان يجب أن يُصرف في هذا الكتاب كان قد صُرف ليخرج بشكله الحالي.

    كما لا يفوتني شكر كل من عمل على تطوير هذا العمل ليخرج بشكله الحالي، ومنهم المصور والصديق: محمد اسكندراني الذي التقط صورة الأستاذ عمار على الغلافة، والآنسة ضحى الشريف التي أهدتنا جهدها ووقتها الثمينين لتدقيق محتوى الكتاب، والأخ المصمم كريم آدم الذي أشرف على تصميم غلاف الكتاب.

    أتمنى بصدق أن تعطيني الفرصة بالاطلاع عليه، وتشاركني ما استفدته منه. فهذا الكتاب قد نُشر من أجلك.. قارئي الكريم.

    قراءة ممتعة.

    الصورة بعدسة صفوان القريوتي
زر الذهاب إلى الأعلى