الشهر: فبراير 2023

  • دع الغريب يقنعهم نيابة عنك

    هذه مأساة قديمة ومضحكة، عندما لا يستمع الآخرين ما يقوله المقرّبين، وينصتون لنفس الكلام من الغرباء. يحكي لي العزيز عمر عاشور (وهو الذي طلب مني كتابة هذه المقالة) قصة صديقه الذي كلما يحاول إقناع زوجته بموضوع بمهم، يقوم بالاتصال على صديقتها المقربة، لتقوم هي بهذه المهمة.

    قريب لي جلس مع زوجته جلسة مطوّلة مع ابنتهما المراهقة، يحاول أن يربيها على آلية التعامل مع صديقاتها في المدرسة (التي كانت مسببة لأزمة لها)، لتخبرهم أنها بحاجة إلى استشارة متخصصة نفسانية؛ ليقوم الوالدان فعلًا «بخرط» خمسمئة ريال قيمة الجلسة يتيمة، أعادت الأخصائية «بالحرف الواحد» كل ما قاله الوالدان للبنت، لتقتنع بما سمعته من الأخصائية، مع تناسٍ تام للجلسة التي كانت مع والديها.

    شخصيًا، أنا متصالح تمامًا مع هذه الطبيعة البشرية الغريبة؛ فلا يزال «مغنِ الحارة لا يُطرب» مثلما كان يُحكى أن والدة الإمام أبو حنيفة كانت تذهب مسافات طويلة لاستفتاء شخصٍ آخر، دون أن تُعطي اعتبارات حقيقية لابنها: أحد الأئمة الأربعة.

    كُنت مثلًا جلس جلسة مطولة مع طُلاب الماجستير (في جامعة نوفا في فلوريدا) عام ٢٠١٩م، أُفتيهم عمّا يجب أن ينتبهوا له ويكتبوا عنه في المقالة التي طُلبت منهم من قِبل أستاذهم الجامعي، في حين أن زوجتي -زميلتهم- قامت بحجز ساعات مع «مركز الكتابة» في مكتبة الجامعة لتستشيرهم حول تقنيات الكتابة. أفتيتهم ليس حبًا للفتوى، بل استجابة لطلبٍ كريم من أحد الشباب الجالسين بجواري قبل إحدى أوقات العشاء «أبو سيرين، عندنا واجب كتابة طويل، ساعدنا الله يرضى عليك» لأقوم بمحاولة الفتوى بعدما اعتقدت إنني أهلًا لها، بكتابة ما يقارب الخمسمئة مقالة وأكثر في حياتي آنذاك.

    المضحك أن نفس الشباب أخبروا زوجتي بعد إحدى المحاضرات أنهم كتبوا مقالات لطيفة لاقت استحسان الأستاذ، بعدما استشاروا كاتبًا قبل أسبوع كان جالسًا معهم في عشاء السعوديين، دون أن يعلموا أنني زوجها.

    تتكرر هذه الحالات مع الأهل والأصدقاء المقربين كثيرًا. نظل لا نبحث عن إجابات داخل الكنوز المدفونة بجانبنا، وفي حالتي، لا يزال الغريب يعطيني قدرًا من الانصات، في نفس الوقت الذي يعتبروني أهله الابن الصغير الذي لا يملك «سالفة» أو «خبرة في الحياة». طبعًا كل ذلك بحسن نية. وهو ما ألزمني بفكرة التصالح، فالحقيقة ستظل تُعيد نفسها بكوني الابن والأخ الأصغر لهم.

    في نفس السياق، تعتقد شقيقتي أروى في حالة النساء مثلًا، أن المرأة الحكيمة التي تشاكلت مع زوجها لا يجب في معظم الحالات أن تستشير صديقاتها، وبدلًا عن ذلك، يجب عليها أن تستشير إما رجلًا آخر يشرح لها «آلية» عمل أمخاخ الرجال ويساعدها في إيجاد الحلول (من وجهة نظر الرجل)، أو، امرأة كبيرة في السن لشرح نفس «الآلية»، أو بالطبع إنسانة متخصصة في العلاقات الأسرية. فالصديقات قد يحوفهن الكثير من الظروف غير الملائمة لإعطاء الاستشارة، كنقص الخبرة، أو الترابط العاطفي الدفاعي مع الصديقة، وطبعًا لكل قاعدة شواذ.

    على كل حال، أعتقد أن نفس هذه الطبيعة هي التي تُعطينا الإحساس بأن الحال دومًا «أكثر اخضرارًا في الجهة الأخرى»، نعتاد أن نتمنى ما ليس في يدنا، حتى في مصدر النصيحة أو الاستشارة. وهذه طبيعة يحتاج الإنسان ترويض نفسه على مقاومتها.

    نحاول تارة أن نُنصت قليلًا للمقرّبين، وتارة نذهب للمتخصصين الذين يملكون تاريخًا ناجحًا في تخصصهم. وكلمة السر هنا هي «الانصات» وليس الاستماع. ويظل التصالح عمومًا أمرًا محمود لكيلا نفقد الثقة في أنفسنا مهما حاولنا مشاركة أفكارنا التي يُنصت لها أحيانًا، وتُهمل أحيانًا كثيرة.

     

  • في تأمل القوة

    القوة ليست قوة أن كانت مع الضعيف. لا قيمة للقوة إن لم تكن مع ما يوازيها من قوة.

    القوة ليست قوة؛ عندما نحتاجها ولا نستخدمها. القوة وقت الشدة.

    البطش ليس قوة. البطش خوف.. يهيئ لك أنه القوة.

    القوة رحمة عندما تعطيها. ودرع عندما تحتاجها.

    أقوى القوى في ضبط النفس. وأضعفها عندما نفقد السيطرة عليها.

  • الفضفضة الثانية عن الكتابة

    شجعني أحد القرّاء الكِرام لكتابة هذه المقالة عندما اشتكيت له عن حيثيات قرار بداية العام الحالي حول الكتابة (والذي لخّصته في مقالة بعنوان عشر سنوات في الكتابة).

    الموضوع وما فيه إنني باختصار قررت ككاتب مُحب ومخلص لقرّائه، أن أستثمر الوقت والجهد بتركيز أكبر في كتابة الكُتب بدلًا من المقالات، وهذا أمرٌ جيد من ناحية الفكرة والمبدأ، أما التنفيذ فظهرت فيه بعض المشاكل:

    ١. هناك كتاب جديد سيكون في متناول الجمهور عمّا قريب (بإذن الله)، هذا الكتاب في الحقيقة قديم في الجدول، ولا أود زيادة التعليق حول تكاسلي في إنجازه بالسرعة المطلوبة. صرفت الشهرين الماضيين باستثمار معظم الوقت في أمرين: الأول: في تحريره وإعادة كتابة أجزاء منه، والثاني: صرفت جهود بحدودٍ معقولة لكتابة المقالات الخاصة بنشرة أها! «مع ثمانية» وبضعة مقالات في مدونتي الشخصية.

    ٢. انتبهت أن القرّاء القدامى للمدونة لم يعجبهم هذا الأمر بتاتًا. لم أكتشف أصلاً أن هناك من يتابع مدونتي منذ زمنٍ طويل وبانتظام، إلا عندما اتخذت قرار تقليص الكتابة فيها، ليظهروا لي فجأة من الظلام مشكورين عبر إرسال الإيميلات يطلبون زيادة عدد المقالات بدلًا من واحدة فقط أسبوعيًا. أخبروني باختصار «أن قرار التوقف عن المقالات قرار خاطئ»، طبعًا إضافة إلى بعض التعليقات المشابهة في التواصل الاجتماعي من هنا وهناك. هذا الأمر حيرني أكثر من محاولتي للاستعراض والله.

    ٣. واجهت مشكلة غريبة من نوعها (ككاتب): وهي أن عضلة الكتابة اليومية التي أنظِّر وأُفتي الناس حولها من سنوات قد ضعُفت. لم يكن هناك سبيل لتقويتها -على الأقل في تجربتي- سوى الكتابة الغزيرة المنتظمة عبر المقالات، وقد خفّت -كما شعرت- من انخفاضها. طبعًا معها على نفس الخط مشروع كتابة الكُتب، مع محاولة الحفاظ على معدّل انضباط جيد في القراءة اليومية. أصبح هناك تأنيب ضمير حاد يكرر زيارته لي كل ليلة قبل أن أنام، يُطيّر النوم، ويبقيني مع سؤال حلقة اليوم: «الكتب، أم المقالات؟ أم كليهما؟» فأنا والله شاهدٌ على ما أقول: آخذ هذه الحرفة بجدية؛ تقديرًا لكل إنسان يقرأ لي. لم يعجبني الحال «ويدي تحكني» كل يوم في محاولة كتابة شيء لنفسي وللقارئ الكريم، حيث إن كتابة الكُتب تحتاج تجهيزًا ذهنيًا وعمليًا مختلفًا قليلًا عن المقالات، ناهيك عن فترات انتظار طويلة ريثما ينتهي المحرر والمدقق لمراجعة ما كتبته. يمكن إنجاز المقالة من ثلاثين إلى أربعين دقيقة من اليوم، أما كتابة جزء من الكتاب فيحتاج على الأقل ثلاث ساعات متصلة (دون تشتت) كي يُحسب الجهد ضمن الإنجاز الحقيقي.

    ٤. راجعت أهدافي الكتابية اليوم، وضعت جدول إنجاز جديد بالكامل.. مسحت كل شيء كان مخططًا له، وكتبت خطة عمل جديدة حتى نهاية العام، شهرًا بشهر، ماذا علي أن أكتب، وما هو عدد الأيام المرصودة لكل مشروع كتابي، بما فيهم المقالات، أدعوا الله (مع قولكم آمين) بأن تُنجَز الخطة على خير.

    ٥. المشكلة المتجددة الأخرى التي تحوف الكتابة بالنسبة لي، هي إنني أملك عملًا خاصًا تحوّل من مرحلة «المشروع الريادي» إلى «شركة في مرحلة النمو»، وهذا كرمٌ وفضل من الله وحده، لا أملك إلا أن أكون شاكرًا وممتنًا لنِعمِه فيه. وحيث إنني اعتقدت أن مشكلتي في إدارة الوقت مع عملي التجاري ستكون أسهل من أي وقتٍ مضى (لأن الشركة قد انتقلت للمرحلة الجديدة)، إلا أن ما حصل على أرض الواقع كان العكس تمامًا. أصبحت مشغولًا جدًا.. وهذا مؤشر خطير، يخالف تنظيري وفلسفتي غير المنقطعة للقراء الأفاضل بأن أوقاتهم خلال اليوم لا يجب أن تذهب كلها في العمل، فهناك أمور أخرى أكثر أهمية، كوجود الأهل والأحبة، والهوايات، والسفر، وغيرها. وهذا ما جعلني اليوم صاحب جدول طافح على آخره من ملفات حساسة في الشركة، وأيضًا جدول الكتابة الذي أُحرِج نفسي فيه أمامكم، تقديرًا وحبًا وإخلاصًا للقارئ الكريم، وتسكيتًا للضمير، كي أنام.

    ٦. خلاصة القول: ستكون هذه السنة مثل الحياة، لا أقول صعبة، لكنها ليست سهلة.. سأحاول أن ألتزم بإعلاء كفة المقالات لتوازي الكُتب، مع الحِفاظ على مصالح العمل التجاري، والذي أتمنى من العلي القدير أن يقودني في يوم ما لكي أصل لمرحلة الكتابة «فُل تايم». باختصار: أطلب أن تُسامحوني على تغيير الخُطة، وتستحملوا قليلًا ثُقُل الدم من الفضفضة التي لم يعتدها الآخرين، فكاتب هذه السطور وكتاباته لا قيمة لهم دون قارئ كريم بوقته وحبه.

     

  • البيع البيع البيع

    أنا من هذه الفئة؛ التي تؤمن أن أهم مهارة مهنية يتعلمها الإنسان في حياته هي: البيع.

    أرهقت أحبتي من بنات وشباب الجامعة وحديثي التخرج، من كثرة تكراري لهذه القناعة. قبل أن تنتهي من دراسة تخصصك في الطب، أو الهندسة، أو السياحة، أو المحاسبة، أو الجغرافيا.. تعلّم كيف تبيع.

    ليس بالضرورة أن تقضي كل حياتك في المبيعات، لكن من الضروري أن تتعلّم كيف تبيع، أو بمعنى أكثر وضوحًا: أن تعمل في المبيعات (حتى تُتقن الشيء الكثير منها) ثم قرر بعدها كيف تريد أن تصرف بقية حياتك.

    البائع.. لا يموت من الجوع. كل صاحب عمل يريد بائعين. وكل البائعين مرحب بهم دائمًا في معظم المجالات. البيع هو شريان الأعمال. لا يحل أزمة الشركات ماليًا كما يحلها البائعين، لا تُصرف رواتب دون وجود البائعين، وليس هناك إدارة ذات قيمة حقيقية في الأعمال الخاصة إن لم تتسلح بقدرة بيع كبيرة.

    بائع اليوم.. هو الذي سيبيع الفكرة للمستثمرين في المستقبل، وهو الذي سيُقنع مديره بمشروعه، وهو الذي سيُقنِع أبناءه وأهله بما يريد. وهو الذي يملك أصدقاء في كل مكان. بائع اليوم هو الذي يبيع أحلامه لزملائه عندما يؤسس عمله الخاص.

    البيع يساعدك في شد الأزر، والصبر على أهدافك، وزيادة الطموحات فيها. عندما تتعلم كيف تبيع، ستُضطر لتعلُم الكثير في مجالك، وعندما تتعلم، ربما تستطيع أن ترى تخصصًا مستقبليًا تريد أن تكون فيه.

    البيع ليست مهارة مهنية، بقدر ما هي مهارة لحياتك.

    أرى أن سنتين من عمرك في مجال المبيعات، ستُعطيك الكثير، لا تؤخرهم كثيرًا.

     

  • مقالات ولقاءات خارج المدونة

    (ملاحظة: سيتم تحديث هذه الصفحة بشكلٍ دوري في مدونتي).

    لا أملك ثروة تغنيني في حياتي مثل وجود قرّائي الأفاضل، والذين يمدّوني بالدعم والوفاء بوقتهم وذهنهم في القراءة والحضور. وقد جمعت هنا المقالات واللقاءات الأهم، والتي كانت خارج مدونتي.

    قراءة واطلاع ماتع لكم يا رب.

    ثمانية: مقالاتي القصيرة في «نشرة أها!»:

    1. ابحث عن مستشار لا مدرب حياة.
    2. اتقن الأمور الصغيرة أولًا.
    3. الجهود الكبيرة لا تعني النجاح.
    4. هل ستكون من القِلة في عام ٢٠٢٣؟
    5. أن تكون نادرًا أمرٌ في غاية الصعوبة.
    6. سرْ الحياة الطويلة والمطمئنة.
    7. هل اجتهدت في عملك؟
    8. ما تحتاجه في عملك ليس الحب.
    9. هل أنت موهوب؟
    10. رتب مكانك خارج التطبيقات.
    11. الراتب الشهري أم السعي وراء الشغف؟
    12. لماذا نحتاج إلى بعض الأوهام؟
    13. القرار الأسهل عوضًا عن التفكير.
    14. كم دقيقة تضيعها على جوالك؟
    15. الشغف لا ينتهي عن التخصص الجامعي.
    16. حاجة «الأنا» لشفقة المتابعين.
    17. البحث عن صديق في زمن التواصل الاجتماعي.
    18. مقاطع «الريلز» لا تغير شيئًا.

    ثمانية: مقالاتي المطوّلة:

    1. عندما تبيع روحك على الجمهور.
    2. حتى نكون صادقين، الكسل خرافة.
    3. الهيمنة والتسويق في صيف أميركا.

    حجر ورقة مقص (مقالات مطولة):

    1. لا تقرأ التعليقات.
    2. لماذا نحتاج الهدوء أكثر من أي وقتٍ مضى؟

    روابط ولقاءات أخرى:

    1. بودكاست شارة: كيف تكتب مقالة كل يوم؟
    2. حوار استكتب عن الكتابة، مع الكاتب أحمد مشرف.
    3. لقاء مجلة سيدتي: أحمد حسن مشرف: الأداء الإنساني الاستثنائي هو الباقي!
    4. لقاء الأربعاء مع د. ساجد العبدلي، عن وهم الإنجاز.
    5. نور عزوني وأحمد مشرف: عن الإبداع والبحث عن المكانة.
    6. لقاء أحمد حسن مشرف مع نادي طلاب نوفا في جنوب فلوريدا: عن الكتابة والتدوين.
    7. أوعى تكون غرقان في وهم الإنجاز: قناة أخضر.

    مقالاتي على أراجيك:

    1. درس مستفاد من ٢٠٢٠: الحال وإن كان سيتغير لا تنتظره.
    2. السعادة: هي أن تنشغل بملعبك.

    مقالاتي على صحيفة مكة:

    1. هواية جديدة.. اصطياد الأخطاء.
    2. سيداتي سادتي.. سنتحدث اليوم باللغة الإنجليزية.
    3. ما هو تبرير الذكريات السيئة؟

     

زر الذهاب إلى الأعلى