الشهر: أكتوبر 2023

  • هل تعرف شعور الاستيقاظ دون منبّه؟

    استيقظت البارحة في توقيت مختلف عن العادة، كان ما بين السابعة والنصف والثامنة صباحًا. دون منبّه.

    أمسكت أول شيء الجوال كعادتي السيئة والتي أتمنى أن تختفي مني ومن جميع سكان الأرض. لفة سريعة على كل شيء؛ الإيميلات، وأقل من دقيقة علي قنوات التواصل الاجتماعي – الذي لا أحب أبدًا التفرجّ عليه في الصباح الباكر – وشيئًا آخر أثار دهشتي للدرجة التي جعلتني اليوم أخصص مقالة له وهو: عدد ساعات وجودة النوم في الليلة الماضية، والتي لا أذكر متى نمت بدقة قبلها.

    ولكي يفهم القارئ بعضًا من السياق، أعتبر نفسي أحد المهووسين بتجربة الأمور التقنية الجديدة. أحب ساعة أبل كثيرًا، وقد اقتنيت مؤخرًا إضافة عليها إسورة “Whoop” من باب الفضول، والتي لا أنصح أحدًا باقتنائها بصراحة، رغم دقّتها المرعبة والمعلومات القيمة التي تعطيها لك طوال اليوم من درجة التعافي في جسدك وحجم الجهد البدني وضربات القلب وغيرها من البيانات التي تكون مفيدة جدًا للأشخاص الرياضيين من الطراز الأول، والسبب اعتقادي إنها غالية نسبيًا (٢٠٠ دولار تقريبًا سنويًا قيمة الاشتراك) وهذا الغلاء يغنيك عنه إلى حدٍ كبير اقتناءك لأي ساعة ذكية تشتريها مرة واحدة، تُغيّرها كل أربع سنوات على أقل تقدير. عمومًا يخبرني أحد الأصدقاء عن المفارقات المضحكة بأن أحد الأهداف غير المعلنة لهذه الإسورة هي إعطاء فرصة للمرفهين بلبس ساعة «رولكس» التي حُرموا منها بسبب سيطرة الساعات الذكية!

    على كل حال، كان تقرير الإسورة وتطبيق “Sleep Cycle” صادمًا.. كانت هذه الليلة أفضل ليلة أنام فيها منذ أشهر طويلة، عدد ساعات النوم هو: ٨:١٧ ساعات، ٣:٣٥ ساعات منها (٤١٪ من إجمالي النوم) كان نومًا بأعمق درجة (REM)، و٢٤٪ نومًا عميق (SWS). بمعنى أن ثلثي الليلة تقريبًا كان نومًا عميقًا.

    هل تعلم كيف كان شكل يومي البارحة؟

    كان نشيطًا لدرجة إنني لا أود الجلوس للكتابة! طوال اليوم كان مزاجي عليلًا أو متزنًا لدرجة غريبة بعض الشيء. ربما يكون تأثير الأمر نفسيًا بسبب مشاهدي للتقرير، وربما يكون بالفعل بسبب نيلي لقسط من النوم أعلى بكثير عن معدله في بقية الأيام.

    كان الخبر المحزن والمفرح بالنسبة لي إنني استوعبت أن هناك أملًا حقيقيًا في جعل حياة الإنسان أفضل بكثير ببعض التعديلات، النوم في حالتنا. وربما قد يستغرب أحد القراء الأفاضل بأن هذا الاكتشاف يُعد اكتشافًا بالنسبة لي، لأنه وصل إلى مرحلة النسيان مع الأسف. فيوم الإنسان ومزاجه وانتاجيته وصحته، ترتهن كثيرًا بجودة النوم وكميته في الليلة السابقة، نعرف هذه الحقيقة كلنا، وننساها كلنا.

    أنجزت اليوم على سبيل المثال أكثر من ألفي كلمة كتابة (هذا المعدل الأفضل لي خلال العشر سنوات الماضية) وذلك بسبب حصولي على نوم جيد، ولو إنه ليس مثل درجة نوم ما قبل البارحة.

    قمت بهدوء اليوم مبكرًا، أنجزت بعد الصلاة جلسة التأمل واليوجا المعتادين وانخراط غير متوقف مع الكتابة دون إزعاج الاتصالات، ودون الانغماس في قنوات التواصل. وها أنا على مقربة من وضع الكلمات الأخيرة.

    لدي عدة شواهد مع كل ذلك، ربما يكون أولها إننا بالفعل نظلم أنفسنا عندما نقرر أن نسهر أكثر، أو أن ننام أقل مما يحتاجه جسدنا (أقول وربي شاهدٌ عليَ هذا الكلام لنفسي قبل أن أقوله لكم)، وشاهدي الثاني أن أقصى درجات الحرية كما تقول إحدى الأخوات تتمثل في الإنسان الذي يستيقظ كل يوم دون منبّه.

    كيف للمفهوم الأخير ألا يكون مغريًا بما يكفي؟

    لا أعرف إن كان عليَ التشجّع والتذكير بأن استيقاظ الإنسان كل يوم دون منبه يتطلب بعض التضحيات الخطيرة الاجتماعية؛ النوم المبكِّر مثلًا؟ وأسأل إن كان الأمر يستحق لهذه التضحية؟

    شاهدي الثالث أن قناعتي تجددت وأصبحت أكثر تماسكًا عن أي وقتٍ مضى بأن أقصى سعادات الحياة وراحتها تأتي من الأمور البسيطة: نومة عميقة، وجبة هنية، جلسة مع صديق، وقتٌ مع الأهل. وبلا شك، أن المُتع وإن كانت مُتعًا كبيرة، فهي قصيرة التأثير، لا تُشكّل الصورة الأكبر من الراحة والسعادة التي أراهم وجهين لنفس العملة.

    لا أود أن تستغبيني القارئة الكريمة إن قلت بأنني بعد هذا التقرير الإلكتروني، أصبح لا يوجد شيء أرغب فيه اليوم سوى الحصول على أقصى درجات عميقة وطويلة من النوم كنمط حياة يومي، أستطيع أن أكون معه أفضل نسخة من نفسي وللآخرين: قُرّاء وأهل وأصدقاء.

     

     

  • لا تهرب يا صديقي

    هناك تحليل افتائي يقول: أن أي سلوكًا مبالغٌ فيه في حياتنا، يحمل شيء من الهروب من أشياء أخرى نخاف من مواجهتها. خذ مثلًا: التركيز على «طاقة الأشياء» «وطاقة الأماكن» والاقتناع أنها تؤثر بشكلٍ مباشر في حياتنا، فيه نوع من التقاعس، نركز فيها أكثر بكثير من التركيز على المهام الحقيقة التي تؤثر علي حياتنا.

    إمضاء أكثر من ساعتين في النوادي الرياضية يوميًا، هو محاولة للتركيز على شكل الجسد الذي نستمد منه قيمتنا، هروبًا من البحث عن طُرق حقيقية تجعل منّا أشخاصًا أفضل في بقية الجوانب.

    إمضاء أكثر من ثمان ساعات (اختياريًا) في المهام العملية، فيه نوع من الهروب عن محاولة تنظيم الوقت، وحل المشاكل الحقيقية في حياتنا خارج أسوار المهنة.

    الأرقام القياسية في عدد صفحات القراءة اليومية التي ينجزها بعض الناس (أحيانًا أشعر بالغيرة منهم) قد تكون هروب من قضاء وقتًا أهم مع أشخاص حقيقيين، وأحيانًا عدم الرغبة في العمل الذي ربما سيختبر ما ننغمس في قراءته كل يوم.

    الهروب دائمًا أسهل من المواجهة.. لذلك يختاره الأغلبية.

    مواجهة ما نخاف منه دائمًا أسرع في نتائجه؛ رغم صعوبته.

     

  • أكتب لصديقي الفلسطيني عن حقّه

    عندما عرّف نصر حامد أبو زيد مصطلح «المقدّس» في إجابته على سؤال: ماذا يعني أن يكون الشيء مقدّسًا؟ أردف بقوله: «لا شيء مقدّس ما لم يكن حوله عنصر بشري»، فالبشر هم من يعطون قيمة للجمادات والأشياء، وليست وحدها ما تستمد قيمتها من نفسها.

    سيارتك التي تُحبها أنت من أعطيتها هذه القيمة، ربما لأنك تعبت على شرائها، وربما لأنها كانت حلم طفولتك، وربما لأنك فقط تحبها لأنها ملكك وحدك، وربما تحبها هكذا من دون سبب!

    خاتمكِ الذي تحبينه قد لا يسوى الكثير إن حاولتِ بيعه، لكنكِ تُحِبِّيه لأنه كان ملك والدتك أو جدتك في يومٍ من الأيام، بالنسبة لكِ قيمته المعنوية لا توازيها قيمة أخرى، أنتِ من أعطيتيه إياها، في حين إن وقع هذا الخاتم في يد سارق، قد يبيعه عند أقرب محل مقابلة بضع مئات من الريال، هذه المئات هي أغلى ما سيمتلكه في هذا الوقت، ولذى، في عالمه سيكون كل شيء مسخّر لتبرير السرقة.

    هذا التقدير للأشياء والذي يصل إلى مرحلة القدسية يكون تارة بسبب تعلّق عاطفي، وتارة لأبعاد أكثر عمقًا.. كارتباطنا الديني والروحي، وقبلهم كلهم: الارتباط الإنساني، فلا يحتاج الإنسان (أيًا كانت ملّته أو هويّته) مبررًا لتعلّقه بأطفاله، وإن قال إنه متعلقًا بهم «لأنه يحبّهم» فهو قد اختزل التعلّق في شعور الحب، وإن قال لأنهم أبنائي، أيضًا سوف لن يُفسّر أصالة التعلّق الذي يشعر به.

    نتعلّق بأطفالنا لأسباب عديدة وعميقة؛ لأننا نحبهم مثلًا أكثر من حبنا لأنفسنا، أو لأن لا حول ولا قوة لهم إلا بنا. وربما نتعلّق بهم لأننا نرى فيهم الامتداد التاريخي والبيولوجي لحاضرنا ومستقبلنا، وربما نتعلّق بهم لأن ليس هناك خيارًا آخر غير التعلّق عند البعض! أو لكل ما ذُكّر.

    يذهب مع الحق الأصيل إن أُنتزِع شيئًا من الإنسانية؛ الكرامة مثلًا؟ الإحساس بأن لا شيء مقدّس نستطيع امتلاكه؟ حتى الذكريات قد تذهب خزائنها في يومٍ وليلة، هكذا بسرعة. ولا نقول هنا الحق الأصيل في الأرض والرائحة، والورث، والذكرة، والجيرة، والتي هكذا ببساطة من الممكن أن تُنتزع -دون مقابل- ودون اكتراث. يتعلّق الإنسان بأرضه لأسباب عاطفية، نعم، ولكن قبلها لأسباب إنسانية أصيلة، وهي حقه فيما يملك. مثل حقه برؤية طفله الذي يكبُر؛ ليختفي من حياته فجأة.

    منذ صغري كُنت أعلم أن قضية واحدة هي أم قضايانا، تربيّت معها على أن «الحق أحق أن يُتّبع»، وهو ما يدافع عنه. أُمْ القضايا قضية عندما كُنت محافظًا وحافظًا مع الجميع، وعندما أصبحت أكثر انفتاحًا، وعندما انتهيت بكوني أكثر توازنًا. لأن نظرة الحياة وإن تغيّرت، فلن يتغير الواقع: الحق أحقْ أن يُتّبع، حتى وإن انتُزعت كل المقدّسات الإنساني: الطفل والأرض والروح والمستقبل، يبقى الحق طالما بقي آمال يعلل الإنسان نفسه بها «فما أضيق العيش لولا فُسحة الأملِ».

    حق الأرض حق إنساني قبل أن يكون دينيًا وعاطفيًا، هو حقٌ وكفى.

    أجلس أمام صفحتي التي أكتبها ولا أحاول البحث لقضيتنا عن دفاعات سياسية أو مناورات وتحليلات لا أملك ذهنًا وطاقة لها، أجلس وأكتب حبًا لأصدقائي الفلسطينيين. أكتب وأُذكّرهم أن الحق أحق أن يُتّبع، أقف معهم لأنني أعلم يقينًا أنهم أصحاب حق، أكتب لهم لأنني عاشرتهم في طفولتي، ومراهقتي وشبابي، وفي أعمالي. ولا أملك شجاعة النظر إليهم دون اكتراث لحقهم. أحاول أن أكتُب كما يكتب الصديق الأصيل، الذي لا يملك من أمره شيئًا سوى المواساة.

    أكتب لصديقي مهنّد -رحمه الله- والذي كان دومًا ما يشاركني سريرته حول هذا الحق المنزوع، وعن والده الذي استقبلته المملكة بكل حب قبل عشرات السنين تاركًا حقّه لمن لا حقّ له.

    أكتب لك يا صديقي لأنني لا أملك إلا أن أكتب.

    وعند الله تجتمع الخصوم.

  • نصائح لجعل الآخرين ينظرون إليك نظرة ازدراء

     أُنهي اللمسات الأخيرة على طلبية أمازون الشهرية الاعتيادية والتي تحتوي على: منظفات للحمامات والمطابخ، ومناديل طبخ وحمامات (أجلّكم الله)، كرتونين حليب، ثلاث قوارير زيت زيتون بِكر، وحزمة كبيرة من السناكس، وبعض منتجات الكيتو، تلاويين وكتاب لابنتي، وكتاب آخر لي، رز بسمتي عشرة كيلو، أحبار طابعات، أوراق للطباعة، شاور جيل، معجون أسنان، شواهي، شامبوهات، وغيرها الكثير من الطلبات التي لا أود أن يملْ القارئ من ذِكرها.
     
    أقوم بقفل صفحة أمازون، وأتّجه إلى صفحة إحدى شركات الدجاج التي توّصل الطلبات أونلاين، أطلب منه كرتون صدور دجاج (١٢ طبق بوزن ٩٠٠ جم للطبق)، وكرتون دجاج كامل (عدد ١٢، ١١٠٠ جم).
     
    ثم أتصل على إحدى محامص (محل) القهوة المختصة، أطلب منهم تجهيز بضعة كيلوهات من البُن (الكولومبي) وبنفس العدد ونفس النوع ونفس الكمية قهوة منزوعة الكافيين.
     
    آخر اتصال يكون للملحمة.. والتي حفظ تفاصيل طلبها السيد الكريم الذي يرد على الهاتف، يجهز أنواع اللحمة المفضلي لي ولوالدتي وبقية أسرتي، ليقوم بتجهيزها. طبعًا هناك زيارة لحلقة الخضار والفواكه، وأحيانًا طلبيات من إحدى التطبيقات.
     
    أقوم باستلام جميع الطلبات بنفسي، أو ينوب عني أحد المتواجدين في منزلي.
     
    هذه العميلة تتكرر كل شهر تقريبًا؛ ورغم كثرة سفرياتي، لا أواجه أي متاعب في التنسيق لأن كل شيء أصبح عن طريق الجوال. بل إنني في إجازة الصيف الأخيرة قمت بتجهيز كل هذه الطلبات وأنا في الخارج، وفور وصولي لجدة، وصل كل المندوبين في اليوم التالي.
     
    مؤونة كاملة للمنزل كبير نسبيًا في أعداد سكّانه، تكفي من ثلاثة أسابيع إلى شهر.
     
    هذه المؤونة تساوي بالضبط في تكلفتها ثلاث خرجات للمطاعم وكم خرجة قهوة (أحدهم لمطعم بالكاد يكون من فئة الـ Fine Dining).
     
    عندما أُصرّح علنًا عن فكرة أن المطاعم (والأكلات خارج البيت عمومًا) والزيارات اليومية للمقاهي أصبحت تتجاوز الحد المعقول في الأسعار (بسبب التضخم العالمي) والإسراف، يقفز إليَ بعض الأحبة طالبًا مني أن أتعامل مع هذا الغلاء وكأنه غير موجود، أو بلغة أخرى أدق: لا تقل هذا الكلام لأن منظرك سيكون (Cheap).
     
    شخصيًا، لا أكترث بصراحة بنظرة الآخرين تجاهي أو اتجاه نمط الحياة الذي اخترته لنفسي ولمن حولي. ودائمًا يحاول الجزء المسؤول مني أن يميل إلى الواقعية البراغماتية في الكتابة، وإن كان الكاتب لا يغير حياة الآخرين أو شيئًا منها إلى الأفضل، فهو يضيع وقته ووقت الجميع.
     
    كتبت سابقًا عن «الكفاءة المنزلية» وعن نصيحتي المثقلة باقتراح شراء «غسالة صحون» لكي تعطي حياتنا كفاءة وقتية وجهدًا أفضل، كما نصحت أن يحول الآخرين سلوكهم في شرب الماء إلى تركيب «فيلتر» بدلًا من القوارير المعبأة.
     
    أطلقت مؤخرًا سمعة عن نفسي إنني «نادرًا ما أتناول العشاء في الخارج» قد يكون السبب هو نوع من ادعاء تحمّل المسؤولية في الإنفاق بصراحة، وسببًا آخر وهو: أن سعي الإنسان لامتلاك نمط حياة روتيني تتكرر وصلاته كل يوم معظم الأيام، قد يكون هو السبيل الأسهل للنمو على جميع الأصعدة: فكريًا وروحيًا وإنجازيًا واجتماعيًا.
     
    أخبر نفسي دومًا أنك لا تستطيع أن تكتب، وتتريض، وتنجز في عملك، وتقرأ، وتجلس مع أهلك، وتزور أصدقاءك، وتمارس هواية المشي إن كنت لا تملك روتينًا صارمًا. يوازيه في الأهمية: عدم استطاعتك أن تستثمر وتدّخر، وتسافر بتخطيط متقن، دون معرفة ما تتطلّبه منك الحياة في إلتزاماتها الشهرية القادمة، ومصاريفها المتوقعة (وأحيانًا غير المتوقعة).
     
    من سيطر على يومه ووقته وماله، امتلك حياته.
     
    لا تضيع وقتك ومالك وصحتك على ساعات قليلة غير مجدية. استحضر الكفاءة وابني روتينك، وأعدك إنك ستكون مرتاحًا أكثر.

    نصيحة إضافية: لا تقابل أحدًا في الصباح.

     

زر الذهاب إلى الأعلى