تخطى الى المحتوى

ماذا يُدفع لك؟

أحمد حسن مُشرِف
أحمد حسن مُشرِف
2 دقائق قراءة

من المفاهيم المضحكة في الحياة بالنسبة لي، أن بعض الأشياء اللطيفة والتي لم أكن أتخيل حياتي دونها من قبل، قد تكون هي نفسها مصدر القرف لشخص آخر..

هذا أمر طبيعي إلى حدٍ ما، ولكن.. الزاوية الأخرى التي أثارت تفكيري؛ هي أن هذا الأمر اللطيف يصبح فيما بعد هو ما نتمسك به لننسى أمورًا عديدة أخرى. تمامًا كالذي جرب أجواء الرياضة والصحة والمنافسة بعد سنوات طويلة من البدانة وضيق التنفس، ليعيشها فجأة وتصبح له الأمر الألطف في حياته والذي يتمسك به، للدرجة التي تجعله يتناسى الكثير مما تبقى متاحًا لديه في الحياة، وطبعًا ليس هناك أي عيب في هذا الأمر..

ألم تمر عليك شخصيات تحولت اهتماماتها وأوقاتها فجأة لأمر لطيف جديد؟..

صديقي العزيز محمود الكالي أصبح اليوم أحد الفرسان الذين تمسكوا بهواية ركوب الخيل!.. فجأة.. لماذا؟.. لأنها أصبحت تدفع له جيدًا، تدفع له رضًا داخلي كبير، وتُشعِره هذه الهواية الجديدة أن الحياة لا زالت بخير. وربما لم يكن يعلم قبلها ما الذي كان سيخرجه من ازدحام هذه الحياة برضا وسعادة. طبعًا في نفس الوقت الذي يعاني فيه صديقه (كاتب هذه السطور) من حساسية مفرطة فور رؤيته لخيل يمشي على بعد كيلو ونصف!

البحث عمّا يدفع لنا أكثر هو شاهد اليوم..

مثال شخصي آخر، بدأت حياتي المهنية منذ عام ٢٠٠٥م تقريبًا، ومعظم سنواتها لم يتخللها أي نشاط له علاقة مباشرة بالكتابة، الكتابة التي تحولت إلى الأمر الأهم والألطف في حياتي والتي طبعًا أحرص على التمسُك به. وهنا ربما لا يحق لي أن ألوم الكثير من المقربين في عدم اكتراثهم لما أصبحت أقوم به مؤخرًا، فقد تعودوا على مظهري لسنوات طويلة مرتديًا فيه قبعة ممارس العمل الخاص أو أي شيء آخر، لكن ليس الكتابة.

وبسبب هذا التغيير، صرت أعيش تساؤلًا أستيقظ وأنام به كل يوم.. وأقول حرفيًا كل يوم.. وهو:

هل ما أقوم به أمرٌ صحيح؟

هل يجب أن أنهي حياتي وأنا على لوحة المفاتيح، أغرق الآخرين بفلسفات وقراءات جديدة لحياتهم؟..

 والسؤال الآخر الأكثر تكرارًا مؤخرًا: هل ما أقوم به وهم إنجاز؟..

طبعًا آمل ألا يفهم القارئ اللبيب أنني أحاول أن أثير استعطافه ليقول لي: لا.. لا.. استمر فنحن معك، بل أحاول لفت النظر كالمعتاد لزاوية جديدة.

فأنا أعلم على وجه اليقين -كما أشارت الأخت العزيز هبة قاضي في إحدى نقاشاتي معها- أن ليس هناك أمرًا دفع لي أي مقابل في هذه الحياة مثل ما دفعت لي مهنة الكتابة، وبالطبع ليس ما أقصده هو الدفع المادي.

لكن إحساس هذا السؤال اليومي في الحقيقة أمرٌ مزعج، بل ومزعج جدًا. وأشعر أحيانًا كثيرة أنني ورغم حصولي كإنسان محظوظ على الكثير من كرم الأحباء الذين يقتطعون ساعات من حياتهم الثمينة ليقرأوا ما أكتبه، يقودني لإحساس داخلي آخر غريب وهو: هل ما أعتقد حقًا أنه مدفوع لي من رضا وإحساس عالي من السعادة، يجب أن أستمر عليه؟.. ماذا عن تجربة أمور أخرى قد تكون لطيفة في هذه الحياة؟.. أم أنني أصبحت أكثر كسلًا ولا أريد البحث عن أمور أخرى، كان الأجدر بي البحث عنها!

على كل حال، ربما سأعيش العامين والثلاثة القادمة مع وهم الاعتقاد بأهمية وجود لُطف الكتابة في حياتي، وبعدها لكل حدثٍ حديث. لعلنا سنكتشف أمور أكثر لطافة.

وسيستمر حتى ذلك الوقت سؤال كل يوم: هل ما أقوم به أمر صحيح؟

والسلام

سيكلوجيا الإنسانشؤون اجتماعيةعن العمل وريادة الأعمالمقالات عن سلوك الفنانين

أحمد حسن مُشرِف Twitter

كاتب ومدون سعودي، له عدة إصدارات، ومئات المقالات المنشورة. شريك مؤسس في بعض المشاريع الصغيرة، مقيم في مدينة جدة.

تعليقات


المقالات ذات الصلة

للأعضاء عام

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن

كان من المثير للدهشة بالنسبة إلي، أن اقتراحات يونيو ٢٠٢٤م قد لاقت تفاعلًا من القريبين أكثر من القرّاء، وهذا أمرٌ لطيف في الحقيقة، لكيلا يشعر المُقترِح أنه «يكلم جدار» مع اقتراحاته. عمومًا، لا يمكن أن أُعطي اقتراحات خارجية، قبل أن أحصل على شيء من

اقتراحات يوليو ٢٠٢٤م: بودكاست وكُتب وأماكن
للأعضاء عام

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة

«ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش؟ لا يوجد طفل يسأل نفسه هذا السؤال. بالنسبة إلى الأطفال، الحياة واضحة بذاتها. الحياة غنيّة عن الوصف: سواء كانت جيدة أو سيئة، لا فرق. وذلك لأن الأطفال لا يرون العالم، ولا يلاحظونه، ولا يتأملون فيه، ولكنهم منغمسون بعمق في العالم لدرجة أنهم

لا يسأل الأطفال عن معنى هذه الحياة
للأعضاء عام

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)

ربما يكون أحيانًا تغيُر نمط حياتهم البسيطة بشكلٍ جذري سببًا كافيًا لعدم تحمّل الضيوف!

لماذا تطرد برشلونة سُيّاحها؟ (الموضوع أعقد مما نتصور)