الشهر: أكتوبر 2014

  • كيف تقرأ الكثير من الكُتب؟

    عادة القراءة يجب أن تصبح جزءاً رئيسياً في حياة كل إنسان طموح … هذه قناعتي، ولأنني أدّعي حمل راية التشجيع على هذه العادة قررت أن أساعد بالوصول لإجابة سؤال عنوان هذه المقالة، إضافةً إلى أنني عندما أتحدث مع الآخرين حول اقتراحات  القراءة، دائماً ما أجد الحديث يقودني لنقاش آخر غير الذي أهدف الخوض فيه ولذا آمل هنا أن أختصر الكثير من الوقت لأثبت وجهة نظري.

    يصر بعض أصدقائي على امتلاك الكثير من محبي القراءة (أزعم أنني منهم) مهارة «القراءة السريعة» والتي تُساعدني في أفضل الحالات على قراءة من ٣  كُتب أسبوعياً!.  ودعني أعترف بشيئين في هذا الأمر:

    في الحقيقة … نعم أخذت دورة القراءة السريعة (أون لاين)، وحاولت جاهداً في البداية أن أُتقنها، بعد أن شاهدت لقاء د. طارق السويدان وهو يتحدث عن أهمية القراءة السريعة ومدى تأثيرها على حياته. لكن إن كانت تُهمك نتيجة هذه الدورة فسأعترف لك بأن آخر اختبار لي أثبت أنني اقرأ أقل من ٣٠٠ كلمة في الدقيقة (قراءة عادية وليست سريعة) بل أجد أنني أبطء بكثير من معظم الأشخاص العاديين.

    لماذا يرغب الكثيرين اتقان عادة «القراءة السريع»؟

    أوجه لك بعض الأسئلة أولاً قبل الإجابة على هذا السؤال … هل بالفعل يهمك أن تقرأ الكثير من الكُتب عموماً؟ وما مدى رغبتك بالإنتهاء من مجموعة كُتب كنت تُريد قراءتها منذ فترة ولم تستطع بسبب مشاغل الحياة؟ هل أنت مقتنع أصلاً بأهمية وجود هذه العادة في حياتك اليومية؟ إن كانت إجابتك بنعم لكل الأسئلة … سأسأل السؤال الآن لك وللجميع:

    لماذا يرغب الكثيرين اتقان مهارة «القراءة السريعة»؟

    هل يودون توفير بعض الوقت؟ لماذا؟ … لمزيد من التلفزيون؟ أو للمزيد من ألعاب الفيديو؟ أو ربما لأي شيء آخر أقل أهمية؟

    القراءة السريعة لن تُفيدك كثيراً إن لم تمتلك أصلاً وقتاً أو رغبة للقراءة.

    شخصياً … أعشق القراءة إضافة لاقتناعي تماماً أنها إحدى أهم عادات الناجحين، والمفتاح الأسهل (والأرخص) للتعلم وزيادة الوعي وكسب خبرات الآخرين. أعشق القراءة أيضاً لأنها السبب الرئيسي الذي يجعلني أكتب دوماً، ففي اليوم الذي سأتوقف فيه عن القراءة بالتأكيد سأتوقف فيه عن الكتابة. وأعتبر أن القراءة أحد أهم وسائل الترفيه التي لا  يوجد لها مضاعفات جانبية … بل الكثير الكثير من الإستفادة وتمرين العقل.

    المزيد من الوقت … هي الطريقة الوحيدة لقراءة الكثير الكثير من الكُتب، وليست مهارة القراءة السريعة.

    هناك العديد من التقنيات التي يمكنك من خلالها مساعدة نفسك لقراءة الكثير من الكُتب، ألخص أهمها في قراءة عدة كُتب في نفس الفترة (مثلاً: رواية + كتاب سياسي + كتاب أعمال + كتاب تطوير ذات) والسبب خلف التنويع ببساطة هو الحرص على عدم الشعور بالملل من هذه العادة (التي يجب علينا عدم الشعور بالملل نحوها)، وثانياً لكسر المفهوم المغلوط حول وجوب قراءة كتاب بعينه حتى الإنتهاء منه.

    عندما أقول المزيد من الوقت، أقصد تخصيص البعض منه (ساعة مثلاً) كل يوم دون توقف.

    ساعة قراءة يومية تكفيك للإنتهاء من قراءة ٥٠ -٧٠ صفحة … لتقودك إلى الإنتهاء من كتاب كامل متوسط الحجم خلال عدة أيام، ومنها للكثير الكثير من الكُتب خلال العام.

    شخصياً أعشق مرافقة الكتاب لي طيلة اليوم … فأنا أقراء من جوالي على تطبيق كِندل، وأقرأ في غرفة المكتب في منزلي كُتباً ورقية، وفي غرفة النوم أقرأ على جهاز كِندل (PaperWhite)، واستمع للكُتب الصوتية على تطبيق أوديبل أثناء تواجدي في السيارة أو عند قيامي برياضة المشي.  ولا أتفق مع الأشخاص الذين يرفضون محاولة القراءة بهذه الأدوات أو الأشكال المختلفة عوضاً عن الُكتب الورقية! … لأنني ببساطة كأي شخص طبيعي أفضل الكُتب الورقية عن الإلكترونية والصوتية، لكن تظل أهمية عادة القراءة هي المحرك الوحيد الذي يقودني إلى تلك الحالة التي استطيع فيها قراءة كتاب كامل على جوالي دون ملل، فكل عادة جديدة – بما فيها قراءة الكُتب الإلكترونية – تواجه رفضاً داخلياً من أي شخص، ومن ثم تتحول إلى شيء محبب إلى النفس مع الوقت.

    كُنت لا أُحب الكُتب الإلكترونية بطبيعة الحال، والآن أصبحت أستمتع بها كثيراً … أيضاً مع الوقت. وبالنسبة للكُتب الصوتية، أصبحت بالنسبة لي أسرع وأسهل طريقة للإنتهاء من الكُتب الصعبة أو التي تحتوي على تفاصيل روائية كثيرة. يوجد الكثير من الكُتب التي لا يمكن لك الإستفادة منها بشكل كامل إلا بطبعتها الورقية، وفي المقابل أجد أيضاً أن هناك الكثير من الكُتب التي لا تستحق  تخصيص١٠٠٪ من وقتك لتركز فيها، ولذا أجد الإستماع لها بصيغتها الصوتية من أفضل الحلول التي لن تُصيبك بتأنيب داخلي بعدم اتمامك قراءة الكتاب. أهم ميزة للكُتب الورقية بالنسبة لي هي إحساسك بالإنجاز عندما تنتهي من قراءة العديد من الصفحات، إضافة لسهولة مراجعتك لملاحظاتك إن كُنت من الأشخاص الذين يعشقون التدوين والشخبطة أثناء القراءة، وبالتأكيد في الإحساس برائحة وملمس الورق. على كُل حال، تظل الُكتب الورقية في نظري هي التكنلوجيا الأفضل لممارسة عادة القراءة.

    لكن دعني أعترف أن هُناك مميزات أُخرى لا يوجد لها مثيل في الكُتب الإلكترونية وتحديداً على تطبيق وأجهزة كيندل، أولها بالطبع سهولة الوصول لأي كتاب تريده بضغطة زر، إضافة لسهولة التنقل بحوزة المئات من الكُتب على جهاز صغير (كيندل، آي باد إلخ.).  ما أريد في الحقيقة أن أُلفت نظرك اتجاهه (خصوصاً إن كُنت تحب قراءة الكُتب الإنجليزية) هي بعض المميزات الأخرى التي لن تستتطيع بسهولة الحصول عليها عند قراءتك للكتب الورقية أهمها:

    ١. التعريف الفوري للكلمات: بمجرد تحديد الكلمة التي تُريد تعريفها.

    ٢. تلخيص كل الملاحظات والتحديدات على صفحة واحدة: عند زيارتك لحسابك على موقع أمازون كيندل.

    ٣. خدمة الـ Whisper-sync من أمازون: وهي ببساطة إمكانية التنقل بين الكُتب الصوتية والإلكترونية، دون ضياع آخر مكان وصلت إليه في قرائتك.

    ٤. الإستماع للموسيقى أثناء القراءة: طبعاً سيسهُل هذا الأمر إن قرأت واستمعت في نفس الوقت من خلال نفس الجهاز (وبالمناسبة إن لم تُجرب الإستماع لموسيقى أثناء القراءة، أنصحك أن تُجرب في أقرب فرصة ومن الأفضل أن تكون الموسيقى دون كلمات … ثق بي … تجربة جميلة حقاً).

    سأختم هنا بفكرة حول مفهوم قراءة الكثير من الكُتب … «الكثرة تولِد الجودة»، فلن تستطيع الوصول للكُتب القليلة التي ستُغير حياتك طالما لم تمر على الكثير من الكُتب السخيفة أثناء الطريق! هناك الكثير من الكُتب التي  لم تُكتب لي، بل كُتبت لك والعكس صحيح. وأجد قراءة الكثير من الكُتب هي الطريقة الوحيدة التي ستُسهل مهمة اكتشاف المتعة الحقيقية خلف هذه العادة إضافة للوصول إلى الكلمات التي ستُغير حياتك.

    شاركني برأيك في هذا الأمر:

    ahmad@amoshrif.com

  • الكتابة: ما تأكل عيش!

        قبل يومين في حفل تيدكس … وتحديداً في الإستراحة الثانية للحفل دار بيني وبين أخي ياسر بهجت (الجندي المجهول وراء إصدار روايتي حوجن وهناك لأخي إبراهيم عباس) الحوار التالي:

    – ياسر … يأخي الكتابة ما تأكل عيش! يسهر الكاتب على كتابة كتابه “ويتناحل” مع دور النشر، وربما يقبلون توزيع كتابه في وقت قياسي وربما لا يوزع … كله حسب المزاج … ولا يوجد أي معايير واضحة في هذا الأمر، وفي النهاية إن كان محظوظاً سيحصل على ١٠٪ من إجمالي المبيعات! في مقابل حصول الكاتب الغربي على دفعة مقدمة من دور النشر حوالي ٥،٠٠٠ دولار إن تم قبول كتابه، طبعاً دون ذكر حرصهم الكبير على حُسن إخراج شكل الكتاب وعلى  توزيعه في كل مكان.

    – شوف يا أحمد … منذ أول يوم دخلنا فيه هذا العالم مع رواية حوجن، ونحن نسمع دور النشر والمكتبات والكُتاب يشتكون من نفس الأمر (لا يوجد أرباح في هذه الصنعة)، تدّعي مُعظم المكتبات بأنها بالفعل لا تحصل على أي مردود مادي جيد من بيع الكُتب رغم أنها تحصل على ٥٠٪ من قيمة أي كتاب يوضع على رفوفها دون أخذ أي مخاطرة بشراء أي كتاب من كاتب أو دور نشر … بل أن أقل محاولة تفاوض على نسبة أرباح أي كتاب ستدفع بك وبكتابك خارج المكتبة.  لكن كل قناعتي أن هذا الأمر غير صحيح إطلاقاً!

    وأضاف … ٥٠٪ مكسب من قيمة الكُتب لكل مكتبة، في مقابل ٥٪ – ١٥٪ من قيمة أي سلعة أخرى تُباع في المكتبة، بالتأكيد سترجح المعادلة لكفة الكُتب كمصدر ربح جيد، وفي حسبة بسيطة لا يمكن لعقلنا أن يعي أن هذا الأمر بالفعل “ما يأكل عيش” للمكتبات على أقل تقدير! … بل يشتكي معظم (إن لم يكونوا كل) الكُتاب على علاقتهم بدور النشر المختلفة، وشطاراتهم المستمرة في صياغة العقود التي تتجه بشكل شبه واضح لكفة الدار وليس للكاتب أبداً.

    – ماذا يعني هذا الأمر؟!

    – يعني إن آمنت أنها مؤامرة … فهي قد تكون كذلك! (فيما فهمته من كلامه). الكاتب يشتكي من عدم وجود دخل كافي ليعيش مع عشقه الأبدي وهو الكتابة! … والدار الحزينة تشتكي من عدم تمكنها من بيع معظم الكُتب (وهي قد تكون مستمرة في هذه الصنعة منذ ثلاثة عقود) .. والمكتبات !!! … آه يكفي ذلك!

    تعليقي: أشرفت على كتابة، وطباعة ونشر أول نسخة بنفسي من كتاب: ثورة الفن … خلال وقت قياسي وعلى حسابي الشخصي، ودعني أعترف أن هذا الحل رغم مجهوده العالي كان أكثر أماناً وراحة بالنسبة لي من التعامل مع أي دور نشر (هذا بالطبع لا يعني بالضرورة عدم تعاملي نهائياً مع أي دور نشر في المستقبل) وربما لا يستطيع أي كاتب ببساطة تحمل هذا المجهود أو كلفة الطباعة، لكن أعتقد أن الحل لعلاج هذه المؤامرة لكل كاتب يكمن في بعض الخطوات:

    1. الإتجاه لتوزيع الكتاب بنسخته الإلكترونية.
    2. اعتبار طباعة الكتاب على نفقة الكاتب استثمار أكثر من اعتباره خطوة إلزامية لنشر الكتاب، وبالطبع إيمان الكاتب بأنه أفضل من سيسوق للكتاب، وهنا أجزم أن علاقاته بنقاط التوزيع ستتوسع مع الوقت.
    3. امتلاكه لحقوق الكتاب دون أي تلاعب من جهات أُخرى.
    4. الطباعة تحت الطلب مع أمازون (Print on Demand).
    5. استراتيجية تسويقية جديدة رائعة تم تطبيقها من خبير التسويق سيث جودين في كتابه القادم، وهي نشر الكتاب بشكل طولي: وهي ببساطة استبدال توزيع الكتاب على المكتبات، باتفاقه مع قُرائه على رغبتهم بالحصول على الكتاب (بسعر مميز) وضمان إيصاله لمكان تواجدهم (علاقة مباشرة بين الكاتب والقارئ دون وجد أي جهة في الوسط).

  • الهدر الحقيقي للوقت

        أكتب لكم هذا اليوم بعد غياب … محاولاً أن أغطي نقطتين، الأولى عن مقالة مؤثرة (بالنسبة لي) للكاتب محمد معروف الشيباني بعنوان: الهدر الحقيقي، يقول فيها:

    “أخطر عنصر (يُبدّده) بعض المسؤولون ليس (المال)، و لا (الثقة)، و لا (المصداقية)، و لا (الجهد)، رغم الأهمية البالغة لكلٍ منها. إنه (الوقت) المحسوبُ من أعمار الشعب، كل يوم تغربُ شمسه لا يعود. “

    ثانيها: تعطل حياتي بشكل تام بسبب المرض لعدة أيام.

        عُدت من إجازة العيد بكل حماس لأبدأ العمل، وهذا بالطبع شعور جيد أحمد الله عليه، لأنه يدفعني للمزيد من العمل عوضاً عن الهروب من حياتي بحثاً عن الإجازات.  أنهيت جميع إلتزاماتي الأسرية والإجتماعية يوم السبت قبل أذان العشاء، في محاولة مني لاستغلال فترة المساء بترتيب أيام الأسبوع، إضافةً لمحاولة أخرى فاشلة بالذهاب للنوم مبكراً.

    رتبت جدول يومين فقط … لكي أبرهن لنفسي أنني لا أبالغ في أهمية التخطيط الأسبوعي، ولأعطي الأمر عقلانية أكثر بالتنسيق المحدود، وكانت هذه هي نتيجة الخطة:

    Screen Shot 2014-10-22 at 2.12.59 PM

    يومي الأحد والإثنين مليئة بأحداث إنتاجية رائعة، وبالطبع ستنتهي بتخطيط الأيام الثلاثة التالية حسب ما تم إنجازه خلال الأيام الأولى.

    ماذا حدث بعد ذلك؟

        استيقظت آخر الليل في يوم الأحد وأنا أشعر بآلام شديدة في معدتي مرافقة لسخونة وصداع غريب!

    وبعد عدة تشخيصات وزيارات للطبيب، اكتشفت أنني مصاب بالتهاب حاد في القولون، مما أحدث لي ربكا نفسية جسدية محزنة لم أقم منها على خير إلا مع نهاية يوم الخميس، لينتهي الأسبوع (تقريباً) دون أي إنتاجية.

        أُصبت بالإحباط … رغم أنني بالفعل لم أملك إلا أن أستسلم للمرض وأنام لأكثر من ١٦ ساعة كل يوم وقتها. لم أرد أن يُحسب علي هذا الأمر كنوع من التخاذل. لكنني بالفعل تعلمت أن الإنسان لا يملك من حياته إلا خيارات محدودة في أوقات محدودة يجب عليه استثمارها بأفضل شكل.

    شاهدي هُنا … أن الأسبوع الحالي أصبح مُتخماً بالمهام والمشاكل المعلقة جراء تغيبي في الأسبوع الماضي، وستبقى كل الأمور في الإنتظار سواءاً بوجود مرض أو غيره.

    أكثر من ٢٠ مهمة عمل صغيرة تعطلت، وأكثر من ٩ مقالات كانت يجب أن تُكتب ولم أكتبها! وفي الحقيقة … أشعر  بالقليل من السعادة كوني على الأقل شخص يعتمد عليه بإنجاز بعض المهام العملية وغيرها، والكثير من الحزن لأنني بالفعل قد لا أملك تلك القدرة المتناهية بالتحكم في حياتي.

        أُكمل اشهر القادم عامي السابع والعشرين … وأظل أتسائل عن الهدر الحقيقي للوقت الذي صرفته طيلة السنوات التي مضت! هل يكفي العمل؟ والقليل من الكلمات؟ .. والقليل من القراءات؟ هل أعيش (أو نعيش) هدراً حقيقي للوقت؟ … آآه سؤال فلسفي حقيقي يجب أن يُسأل.

        اعترفت سابقاً .. أنني أُعاني من وسواس الوقت (ولازلت)، فعندما أسست أول أعمالي الخاصة عندما كُنت في الثالثة والعشرين كُنت أرى تعابير أوجه الناس وهي تضج بالإعجاب على هذا الإنجاز الرائع!!  ودعني أعترف هنا أن هذه النظرة قد اختفت تماماً الآن!! وأن الشركة التي أسستها آن ذاك قد فشلت وأُقفلت شر قفلة!   وها أنا اليوم أسابق الزمن والقدرات الإنسانية لأكتب وأعمل كل يوم محاولاً الوصول لأي درجة من درجات الإنجاز.

    الهدر الحقيقي هو الوقت كما قال الأستاذ الشيباني … ومشكلتي اليوم أكبر في عدم تقديري لمشكلة الوقت كما يجب!

        أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليك بهذه المقالة “المازوخية” أو “جلد الذات” كما يحب أن يطلق عليها علماء الإجتماع، لكنني بالفعل لن أشعر بأي ارتياح طالما لم أكتب عن ذلك الأسبوع المُمل! ولعلي باعترافي هنا أكون قد سجلت وعي بالمشكلة ابتداءاً من اليوم، وربما بكتابة هذه الكلمات قد سجلت عودتي لمسار حياتي الصحيح الذي يُلزمني بإزعاجك عزيزي القارئ كل يوم.

        أرجو من نفسي وأرجوك يا أخي … أن نهرب من خانة الهدر الحقيقي للوقت، لا نريد أنا وأنت أن نستيقظ بعد ثلاثين سنة ونجد أننا بالفعل قد أهدرنا الكثير من الوقت كما يقول المثل الدارج:

    “زي أم العروسة … مشغولة فاضية”.

  • إجازة موسم العيد

    الأسعار في السياحة الداخلية تكاد لا تُصدق …

    يحاول الكثير هنا في المملكة تطبيق مبدأ “Hit and Run” في محاولة الكسب السريع، في أقل وقت ممكن.

    في حسبة بسيطة … تجد أن العائلة هنا تدفع ما يعادل سفرة إلى خارج المملكة لمدة أسبوع (بجميع التفاصيل) في ثلاثة إلى خمسة أيام فقط، دون أي مبالغة، طبعاً مستثنين أمريكا وأوروبا.

    ولا أريد أن أؤكد على الجانب الآخر وهو جودة الخدمة التي لا توجد أصلاً!

    ما هي قيمة العملاء المخلصين في مثل هذه الأوقات؟ أم أنهم أيضاً عملاء Hit and Run؟

    شخصياً … أتعامل مع ثلاثة فنادق في دبي منذ فترة طويلة، لكل منها ميزاتها وعيوبها (وأسعارها). وفي كل مرة عندما أزور إحداها أشعر بحرارة الإستقبال الاعتيادية، ورغبة في عدم التغيير إلى خيارات أُخرى سواءاً صادفت الزيارة موسم إجازة أو خارجه.

    بعضها رخيص نسبياً مع خدمة معقولة … وأخصصها لزياراتي الفردية. والأُخرى ذات أسعار أعلى نسبياً مع خدمة وميزات أفضل وبالطبع أفضلها عند زيارتي لها مع العائلة.

    هذه المعادلة هي المفقودة لدينا … ففي كل مرة  تدفع السعر الأغلى للخدمة الأقل.

  • التنازع العقلاني … قمة الإبداع التسويقي

    لنتحدث قليلاً على طريقة علم الإجتماع …

    يرى البروفيسور كارفر أن للتنازع البشري أربعة أنواع أو درجات (١):

    1. التنازع الحيواني: وهو اعتماد الشخص على الطبيعة الحيوانية لتحطيم خصمه ليكسب النزاع، وذلك باستخدام القوة الجسدية بالدرجة الأولى كالمبارزة، الإغتصاب، الحرب إلخ.
    2. التنازع باستخدام الذكاء: ويكون هذا التنازع عبر استخدام طرق ملتوية للفوز على الخصم، كالسرقة، الغش، النشل إلخ.
    3. التنازع العقلاني (تسمية مجازية): وهو الذي يسود عند معظم المجتمعات في وقتنا الحاضر، كالمنافسة على الانتخابات، الغزل بين الرجل والمرأة لكسب أحد الطرفين مقابل (أو) ضد طرف آخر.
    4. التنازع المثالي (تسمية مجازية): وهو ما يأمل أن يصل به العالم في المستقبل، كالتنافس العلمي البحت، أو السياسي والإقتصادي دون أي تدخل عاطفي أو شخصي عنيف.

    ودعني أزعم أن التنازع العقلاني على مستوى المنشآت والحكومات هو السائد في المجتمعات الغربية اليوم، حتى وإن غطى الإعلام على الكثير من الحقائق التي لا يمكن للفرد العادي الوصول إليها.

    حاولت شركة بيبسي أن تقوم بلفت الإنتباه عبر عرضها إعلاناً انتشر منذ فترة تزامناً مع يوم الهلوين ضد منافستها كوكاكولا، وكان الإعلان عبارة عن تلبيس علبة بيبسي ردائاً مطبوع عليه شعار كوكا كولا مع جملة تقول “نتمنى لكم هلويين مخيف”، في محاولة لإيصال انطباع مرعب بشكل هزلي وكأن الرداء الأحمر هو رداء دراكولا في يوم الهلوين.

    لترد كوكاكولا بنفس اللعبة والإبداع التسويقي، فقط عبر تغيير الجملة السابقة إلى “الكل يريد أن يصبح بطلاً” في إسقاط لغوي رائع، عبر إيصال رسالة هزلية أيضاً مضمونها أن بيبسي تريد أن تصبح بطلة على حسابها!! (وكأن الرداء رداء سوبر مان، وليس دراكولا).

    أجد أن هذه الجمل التكتيكية للمنافسة، ما هي إلا ترجمة حقيقية للوعي التسويقي الذي وصلت إليه بعض الشركات الكبيرة.

    وكم أتمنى أن نتعلم المزيد …

    coke-ad


    (1) Bogardus, Development of Social Thoughts, p.370-372

زر الذهاب إلى الأعلى